اعتذروا جوعاً أذقتموه أطفالهم..!


 موسى الصبيحي
كرّمني الإخوة القائمون على الحراك الشعبي والشبابي في السلط والبلقاء الجمعة الماضية بإلقاء بيان الحراك، وكانت ليلة الجمعة، الليلة التي أقدمت فيها الحكومة على رفع أسعار المحروقات بنسبة 4% دفعة واحدة، وكنت قد خرجت لتوي من صلاة الجمعة، قادماً للمشاركة في الحراك كعادتي منذ سنتين، ولكنني هذه المرة كنت مفعماً بالحماس والثورية، ضائقاً بما فعلته الحكومة الحالية منذ تشكيلها وإلى قرارها الظالم الأخير برفع المحروقات، ومع ذلك لم أخرج عن المألوف، وضبطت نفسي، ولم أقل أكثر من أن أي رفع غير مبرر للأسعار ولا يأخذ بالاعتبار أوضاع الناس
وظروفهم الاقتصادية القاسية يشكّل إهانة للمواطن، وإذلال للشعب، وهو ما يبرر الانحياز إلى الشارع، ويبرهن بأن قرارنا بالانحياز السلمي للشارع منذ أكثر من سنتين كان صائباً..!
يا أيها الساسة، إذا كان الشعب ما زال يحترم نفسه كشعب ينتمي لبلد هاشمي كريم ذي تاريخ عظيم، فإن زيادة مستوى الضغط عليه، سوف يؤدي إلى خلق حالة من عدم التوازن في المجتمع والدولة، ولعل نظرة فاحصة إلى ما يجول في الأذهان مما يخرج بعضه على الألسنة والجوارح، يعكس حالة الفصام النكد الذي وصل إليه كثير من الناس، ويعبر عن مكنون ضخم من الأسى والمعاناة، وفضلاً عن أن تسعى الحكومات إلى إيجاد حلول تساعد على علاج الفصام، وفكّ أسباب المعاناة، نراها تُمعن في تعقيد المسألة ورفع درجة المعاناة إلى مستوى يهدد بمزيد من الاحتقان، ومزيد من التوتر
المجتمعي، ومزيد من الغليان، ما قد يفضي إلى لحظة انفجار قد تأتي في أي وقت..!!
أيها الساسة، عليكم أن تدركوا أن صحوة الشعوب، كما يُحدّث التاريخ، قد تحدث فجأة، وفي كل المفاجآت تحدث مفاجأة، وفي كل مفاجأة من هذا النوع يحدث ما لا يُحمد عقباه أبداً.. لذا من الحكمة أن تستوعب الحكومات الدرس، وتعمل على إجالة النظر، وإجادة الفحص والحدس، وأن تجدّد نفسها بالمبادرة، ولا تستهلك نفسها بالمهاترة، وأي حكومة تظن أنها أقوى من الشعب، فهي خاطئة، وإلى زوال، فكم من حكومات أسقطتها الشعوب، وكم من حكومات غدت خائرة وأصبحت عابرة بعد أن كانت قوية، وبالقمع سائرة.. ومنْ يظن نفسه من الساسة قدير، فليعلم أن فوق قدرته قدرة، وفوق سطوته
سطوة، ومهما بلغ به العلو، فإنه إلى سقوط وإلى دنو.. ومن الخير له أن يعتدل، ويسوس الناس بالعدل على أن يظلم وينسى ما كان للناس من حق وفضل..!
ولأن الأسعار والأعمار بيد المولى القدير، فإن على الساسة أن يعلموا أن ما بيد القدير، هو الخير للناس، فلا يسعون هم لإفساد هذا الخير، ومن الخير لهم أن يذعنوا لأمر الله في حفظ النفس والنسل والعِرض والدين والمال، وما من إساءة يلحقونها بالناس إلاّ أذاقهم الله بهم عذاباً، وأحاق بهم بسببها أوصابا..!
أيها الساسة: افهموا الناس، وافتحوا آذانكم لهم، ودعوكم مما تسمعون من الحاشية، وامنحوا حُجّابكم إجازات مفتوحة، تحاوروا مع الشعب، وسلّموا عليهم فرداً فردا، تناولوا معهم خبزاً وشاياً، قفوهم في الطرقات، وفي الحارات وفي الأزقة، وفي الصحارى النائيات، ثمّة منْ لا يصلهم ماء ولا خبز ولا هواء ولا أرز..!! ربما لا تعرفونهم، ولن تعرفوهم، وجوههم أردنية وما هي بأردنية، وعلى جباههم كُتبت كلمة: " قهرتمونا".. ابحثوا عنهم وسوّوا أمورهم وامسحوا جراحهم، وسلّموا عليهم واحداً واحداً واعتذروا لهم تقصيركم وقهركم وقمعكم وجوعاً أذقتموه أطفالهم..!!
أما آخر الكلام، فأقول للساسة: منْ أراد منكم أن يرفع الأسعار، فليستعر من ولده قميصاً يلبسه، أو سروالاً يرتديه، وليقرأ ما يحمل من أسفار، ويطفيء مواقد بيته، ويُكفيء صحونه وأوانيه.. ويقلب أحلامه وأمانيه.. ولسوف يعلم أي قرار يتخذ وبأي حال يتّعظ..!!!


Subaihi_99@yahoo.com