في البحث عن ... حكومة برلمانية ..؟!

 جاء في الأخبار ومقالاتٍ عديدةٍ تتابعُ مجريات الشأن المحلّي المتعلّق بالمشاورات المستمرة بين القصر الملكي وبين النواب واجتماعات النواب ولقاءاتهم البينية ( أنّ في بال عدد لا يستهان به من النواب شرطا أساسيا هو إشراك النواب في الحكومة المقبلة باعتبار أن الحكومة برلمانية ويتوجب على النواب المشاركة فيها.. ويدفع أصحاب هذا التوجه بقوة لتبني هذا الموضوع من قبل سواد المجلس باعتبار ذاك النهج يحقق شرط الحكومة البرلمانية المرتقبة، ويدخل في باب التشاركية.) انتهى الخبر.
 2 - ثم تطوّر ذلك ( إلى طرح نيابي آخر يطالب بحكومة نيابية كاملة، أي أن يكون رئيس الوزراء ومعظم الوزراء من النوّاب .) لكن هذا الطرح اصطدم بعقبة كأداء هي عقبة الواقع النيابي نفسه وواقع حالة الكتل النيابية نفسها وطبيعة تركيبتها الموصوفة بالهلامية، بما في ذلك فقدانها للمادة اللاصقة المانعة من انفراطها بأية لحظة مما يحول دون توفّر (شروط) قيام الحكومة البرلمانية العتيدة . 
3- نتج عن ذلك ظهور طرح جديد من طرف بعض النواب (يطالب بتأجيل تشكيل الحكومة البرلمانية لمدة سنة.) انتهى الخبر والاقتباس.
4- ما تقدّمَ عيّنة حيّة تنطق بالكثير . أهمّ مميزاتها أنها تسهل لكلّ معنيّ متابع تشخيصَ المشهدِ الراهن، بمن فيه وما فيه من أشخاص وأفكار ومعطيات . أكثر المستفيدين من لديه خلفيّة معرفيّة، والأهم مَنْ يملك أدوات هذه المعرفة .
 5 - الخلاصة أننا أمام حالة ارتباك وعدم وضوح تعود أسبابها في تقديري إلى عدم وضوح وتبلور مفهوم نظام الحكم القائم في البلاد بما في ذلك مفهوم الحكومة البرلمانية في الأذهان. 
6 - ما توصّل إليه بعض السادة النوّاب جيّد. بل عين العقل ونقطة بداية صحيحة على الطريق الصحيح . فقد بدأ (يتكشّف) للكثيرين منهم، عمليّاً بالممارسة، بالمواجهة، بالحوار، استحالة - أو على الأقل - عدم واقعية (تنفيذ) مشروطية الحكومة البرلمانية، لأكثر من سبب، في المرحلة الراهنة . 
7 - في ختام مقال سابق - 2/2/ 2013- سؤال طرحته حول ما إذا كانت ظروفنا السياسية والاجتماعية السائدة بما في ذلك نظامنا الدستوري وحقائق واقعنا الراهن توفّر شروط قيام حكومة برلمانية بالمعنى المتداول والقائل بوجوب تأليف مثل هذه الحكومة من البرلمان . 
الجواب يقتضينا التفريق بين حالتيْن:
 (أ) حالة تكون فيها ظروف البلاد قد نضجت سياسيّاً وحزبيا واجتماعيّاً، تنظيماً وانخراطاً ضمن أحزاب تجذرّتْ وانعرفتْ هويّتها وتحدّدتْ شخصيّتها، وفي بيئة تبلورتْ فيها معاني المواطنة إيماناً وتقنيناً وممارسة، متجاوزة بذلك حدود الجهوية والعشائرية والطائفية والمحلّية التي تشكل حاضرنا، مما يصبح معها (قيام) حكومة برلمانية أمراً طبيعيّاً، بل الأمر الطبيعي الوحيد، كما هي الحال في بلاد أخرى مضرب المثل لهذا النوع من الأنظمة كبريطانيا مثلا . 
(ب) الحالة الثانية اللّجوء إلى (إقامة) وفرض حكومة برلمانية جزافاً واعتسافاً، عنوةً واعتباطاً، رغماً عن أنف الواقع والدستور وفي ظل عدم توفر أي شرط من شروط قيامها وعلى هذا كلام كثير .