البلطجة ليست خياراً حكيماً!
الحراك الأردني الإصلاحي حراك فاعل وضاغط، ولا معنى لكل محاولات تسفيهه أو التقليل من قيمته، فاستمراريته واستعداده لدخول عامه الثالث، بذات المستوى ولنقل بذات الرتابة والروتين، دليل قوة لا دليل ضعف، ودليل وعي بالمصلحة الوطنية، يقوم على مبدأ طول النفس، والصبر الجميل الذي يُجنّب الأردن مخاطر الانزلاق.
لم يكن بمستطاع الذين اجتهدوا في تسويق ظاهرة الولاء والانتماء أن يكونوا مقنعين ولا منطقيين، مقارنة مع الإصلاحيين، لعدة اعتبارات منها: أنهم لم يملكوا القدرة على الاستمرارية، ويَظهرون في ومضات زمنية متباعدة المسافة، كما أنهم لم ينجحوا في الحشد لفعاليتهم؛ إذ لا يزيدون على بضع عشرات في أحسن الأحوال، ولا يملكون رؤية ولا برنامجا غير مناكفة الإصلاحيين والتنغيص عليهم، وهم المبادرون دائما بالإساءة اللفظية والفعلية، ولم يتجاوز الإصلاحيون حدود ردِّ الفعل على ما يَبدر من هذه الفئة من تجاوزات.
الأخطر من ذلك، أنه لا تبدو المؤسسة الأمنية موضوعية ولا حيادية في هذا الشأن، والدلائل المادية والمعنوية على ذلك لا يصعب اكتشافها، أو تحديدها والتدليل عليها بالصوت والصورة.
لو كان للولاء تيار حقيقي لكان الأولى به أن يكون له ميادينه وساحاته المغايرة، وبرنامجه ورموزه، إذاً لكان وجودُه إثراء للفعل الشعبي الأردني، وعنوانَ صحةٍ ونضج سياسي ومجتمعي، لكن ظهوره بهذه الصورة، في ومحطات معينة، بهدف استفزاز الطرف الآخر، أو الاعتداء عليه باعث على التوجس، ومؤشر على وجود مَن لا يريد خيرا بهذا البلد، ويدفع بقوة باتجاه الخطوة غير المحسوبة.
المقارنة بين الطرفين غير ممكنة، فالوجوه الإصلاحية عريقة ومعروفة التاريخ، وهي رموز وطنية وسياسية وازنة، وعالية التأهيل العلمي والفكري والتنظيمي، وهي رموز مجتمعية تتصدر المجالس إضافة لقيادتها للشارع، بينما نجد أن هذا السمة مفقودة عن الطرف الآخر، فأنت لا ترى عنده إلا أنفرا من القُصّر، أو المهمّشين، مَعروفي المستوى والسيرة الذاتية في مناطقهم، يظهرون فجأة لهدف محدد ثم يغيبون كما ظهروا، يدافعون عن رموز النظام المستهدفة حراكيًّا.
الفشل السياسي الذي مُنِيت به مؤسسة الحكم، على مدار عامين، ممثلا بعجزها عن تقديم ما يقنع الناس، أو يطمئن الناشطين إلى توجهاتها نحو الإصلاح، وبتمحورها حول الذات، وتمسكها بنفس الأوضاع، وتقديمها لذات الوجوه التي انتفض الناس في وجهها، وانزلاقها باتجاه المكابرة والإصرار على وجهة نظرها، مستخفةً بالمطالب الشعبية، وتتويجها لبرنامج فشلها بالبرلمان الفارغ من كل شيء، إلا من كونه دليلا على شلل النظام السياسي في الدولة وعُقمه كل ذلك يضع مؤسسة الحكم أمام مأزق التعامل مع الحراك المعارض عاما إضافيا، بدأت بوادر انطلاقه وبنفس القوة، وليتخزل موقف لنظام بالعبارة القائلة: «كأنك يا أبو زيد ما غزيت»، أو «تيتي تيتي مثل ما رحتِ جيتي».
هنا نتساءل: هل الخيار الوحيد أمام مؤسسة الحكم، هو الذهاب لإحياء مشروع البلطجة؟! وهل بدأ ذلك فعلا في إربد بجمعة 22/2/2013م؟؟ باعتبارها نموذجا للحراك الناجح المستمر، بهدف محاولة تفكيكه وإنهائه؟ وهل تستطيع جيوب الفساد أن تغذي هذا الظاهرة وتزيدها حجما؟! وهل في برنامجها أن تجعل منها ظاهرة مستمرة مرافقة لكل فعل إصلاحي للطرف الآخر، وبنفس الميدان؟ وهل أُغلقت في وجه الحكومة كل المخارج إلا هذا المخرج؟
إن الذهاب لهذا الخيار ضرب من الجنون، وشكل من أشكال انعدام المسؤولة، وضمور في الحس الوطني، ومجازفة بأمن الوطن ومستقبله، وتكرار لحلول جُرّبت في دول الجوار وفشلت، وجرّت كل ذلك الدمار على مجتمعاتها، وكان الخاسر فيها بامتياز نظامها السياسي المحكوم للفساد، والحامي للفاسدين.
على المسؤولين في كل المستويات أن يعلموا أن استحقاق التغيير بات حقيقة لا يمكن تجاوزها، ومطلبا شعبيا جاء تحت ضغط الحقيقة والحق، لا يمكن خداعه أو الالتفاف عليه، أو إرهابه وتخويفه؛ لأن ذلك في ضوء المشهد العربي المجاور إغراق في الوهم وركون للتمّني.
كما أن توارى نظام الحكم، واختبائه وراء ظاهرة البلطجة، بدل تقديم الحلول، والعمل على احتواء الوقف، يؤشر على عمق الأزمة، وغياب الرغبة في إخراج الوطن من أزمته، والدفع باتجاه انفلات أمني، وانشقاقات مجتمعية على أساس العشيرة والمنطقة، وفي هذا من المخاطر ما فيه، ولا يمكن التكهن بمآلاته وخواتيمه.
حماية المسيرات وتأمينها مسؤولية دستورية، ومصلحة وطنية، ليس في إربد وحدها، بل في كل المملكة، والحشد المضاد للفعل الإصلاحي الشعبي، واصطناعه ودعمه وإقراره على المخالفات التي يرتكبها، مسؤولية جنائية يتحمل مسؤوليتها المتورطون فيها، والمتواطئون معهم من الأجهزة الأمنية المختلفة، لأنهم مخالفين بذلك روح القانون وشرف المهمة.
العقل هو المطلوب، لا طيشة الجهل، ونزوة الغفلة، ومغامرة الأهوج من قوى الفساد، يظن أنها معركته الأخيرة، فيلقي بكل !أوراقه، يريد أن يحرق البلد، أو تستَتِبّ له الساحة، لينفرد بها شوطا جديدا من التجريف والتخريب
بقلم: عبدالرحمن الدويري