ثلاثة خمسات

ثلاثة خمسات
من أجلّ ما حدث في تاريخ الفلسفة منذ ظهورها هي تلك الأفكار التي أسست طريق العقل الإنساني الحر، فهي حسب الأستاذ محمد جديدي آثار حية في ذهن طلاّب الحرية و الثقافة.
و لعلّ من قادة الفكر الفلسفي هو الفيلسوف الألماني، الذي جاء بتقسيم للتاريخ الفلسفي، و أتاح بفكرة المطلق فتح أبواب جميع التيارات الفكرية. و مع هذا فقوله ".... الوجود و اللاوجود هما مجرّد تجريدات لا حقيقة لها...." هو بذلك يعود إلى فكر الفيلسوف الباكي الذي أسس مبدأه النسقي في الفلسفة على شرح و تفسير الكون على أنّ هذا الأخير هو ذا أصل غير مادي، و لا هو روحي و إنما هو أثير سماه بالنار الكونية، بحيث من النار يصنع الهواء، و من الهواء يصنع الماء، و من الماء يصنع التراب، و العملية العكسية قابلة للصحة، و بذلك فإنّ آلية الدرب الصاعد و الدرب النازل هي متحكمة في الجدل القائم بين عناصر الكون كلها، كما أنّ هذه الأمور على اختلافها هي غير ثابتة و في تحرّك تحوّلي دائم، بحيث أنّ هذه العملية سماها الفيلسوف الباكي بالصيرورة، فلكلّ شيء فلكه الخاص الذي يدور فيه، و كلّ الأشياء هي تجادل كيانها، و تجادل كلّ الكيانات الأخرى، و ما العالم الذي يبدوا ثابتا هو فقط تفسيرات عقلية انطلاقا من خداع الحواس. فالكون حسب الفيلسوف الباكي متعدد "الحركة"، أزلي "لا محل له في الزمان"، و غير محدد "غير قابل للنفاذ"، و هو خاضع للصيرورة "التحوّل الجدلي الدائم للأشياء المتحركة"، و على هذيْن المبدأيْن "الحركة و الصيرورة" كوّن الفيلسوف الباكي نسقه الفلسفي، بينما أشدّ المعارضين له هو برمنيدس، حيث أنّ هذا الأخير قال بأنّ أصل الكون هو الكون ذاته، و علّة العلل هو الوجود، و قد وافقه في هذه الرؤيا تلميذه الوفيّ. و على هذا الأساس فإنّ برمنيدس وضع للكون حقيقة واحدة هي تلك التي على تماس مع البشر، فحسبه الحركة غير موجودة، و العالم هو ثابت، و كلّي، و هو جوهر ذاته. فالحياة لا يمكنها أن تأتي من الموت، و لكّنّ الموت هو الذي يأتي من الحياة، و بالتالي إما أن يكون العالم موجود، أو يكون عدما، و ما انحلال الجثث و زوالها إلا دليل على أنّ الموت ذا طبيعة متحركة، و الوجود هو الحيّ، إذن الوجود هو ذا طبيعة ثابتة، كما ورد في شرح الدكتور عزت قرني، و قد وضع التلميذ الوفيّ عدّة حجج للتدليل على أنّ الوجود هو علة وجوده نافيا بذلك الحركة و التعدد. فالكون حسب الايليين على عكس الفيلسوف الباكي هو ثابت.
عودة الفيلسوف الألماني إلى نسق الفيلسوف الباكي لدليل على تأييده له في هذه الفكرة، و مع أنّ العلوم الدقيقة أيّدت فكرة برمنيدس، إلاّ أنّ العلوم المجهرية أيّدت فكرة الفيلسوف الباكي.
شرح بعض المصطلحات:
الفيلسوف الباكي: هرقليطس
الفيلسوف الألماني: هيغل فردرش
التلميذ الوفيّ: زينون الايلي
السيّد: مــــزوار محمد سعيد
في امتحان يوم: 19/02/2013.