هناك وجه آخر للانسانية



ان ظاهرة ارتفاع الاسعار تجاوزت حد الخطر، واصبحت مزعجة جدا ويجب معالجتها باسرع الطرق المتاحة، ولمعالجتها يجب الوقوف على اسبابها الرئيسية وعدم تجاهل اي منها، وساستعرض هنا احد اهم الاسباب الرئيسية لها معززا ذلك بابسط نظريات ومبادىء الاقتصاد وهي ان السلعة يتحدد سعرها بمعادلة توازنية من العرض والطلب.
اننا وخلال فترة بسيطة جدا وهي بضعة شهور، نما عدد سكان الاردن بزيادة حوالي نصف مليون وهم من الاخوة اللاجئين السوريين، وهم بالطبع موضع ترحيب، ولكن هذه الزيادة مقارنة بعدد سكان الاردن الاصليين هي زيادة ضخمة لايمكن استيعابها من حيث الموارد المتاحة.
على سبيل المثال الطحين الذي كان يتم استيراده وفقا لكميات مدروسة، كانت لتكفي عدد سكان الاردن الاصلي، ولم يكن محسوبا حدوث نمو بهذا الشكل، وبالتالي اختلت معادلة العرض والطلب حيث ازداد الطلب على نفس الموارد مما يرفع كلفتها، حتى لو لم تقم الحكومة برفع سعر رغيف الخبز الا ان تكلفته اصبحت اكبر، والدعم الحكومي له اصبح اكبر، وسيزيد من العجز الحكومي والذي سيسدد من المواطن لاحقا.
ولنأخذ بيض المائدة ايضا، فكميات الانتاج والمزارع المتوفرة كانت بالكاد تغطي احتياجات الاردن، وعند حدوث هذه الزيادة لم تعد تكفي لذلك حدث الارتفاع على سعر بيض المائدة بهذا الشكل وهو ارتفاع طبيعي ولكنه يحدث نظرا لظروف غير طبيعية.
ولمعالجة ظاهرة ارتفاع الاسعار قبل ان يستفحل اثرها وينعكس بشكل دائم على القوة الشرائية للدينار الاردني بالهبوط مما يعرض الاقتصاد الاردني بالكامل للخطر، فيجب انتهاج سياسة اقتصادية مرنة وعلى قدر عال من الكفاءة والقدرة بحيث تتابع تغييرات السوق يوميا واولا باول والعمل على اتخاذ القرارات المناسبة لكل سلعة على حدة، ونعود لطرح الامثلة العلاجية ففي حالة بيض المائدة واذا كان الاستيراد ممنوعا سابقا لحماية المنتج المحلي، يجب اصدار قرار فوري بالسماح بالاستيراد لتعود وتتوازن معادلة العرض والطلب وبالتالي ينخفض سعر بيض المائدة، وهنا قرار فتح باب الاستيراد يكون لحماية المواطن المحلي كونه له اولوية على المنتج المحلي.
وبحالة الطحين المستورد فيجب زيادة الكميات المستوردة منه لمعادلة كفي ميزان العرض والطلب لتتفادى الحكومة من زيادة الدعم للرغيف، وربما بامكانها الاستفادة من الزيادة بالكميات المشتراة للحصول على شروط واسعار تفضيلية لينعكس النمو بالمشتريات ايجابا وليس سلبا على موازنة الحكومة.
وربما ان كان هناك سلع من التي ارتفعت اسعارها بشكل كبير، تفرض على استيرادها جمارك وضرائب، ربما علينا اعادة النظر بنسب هذه الضرائب والجمارك وتعديلها بنسب تتناسب مع نسبة ازدياد الطلب لتتعادل ايضا كفتي ميزان العرض والطلب وبالتالي تعود الاسعار للاستقرار.
ان استمرار ارتفاع الاسعار الحاد بهذا الشكل، يؤثر حاليا وبشكل مباشر على جيب المواطن واولوياته بالمشتريات وعلى نمط حياته، ولكنه بعد حين سيؤثر على اقتصاد الوطن بالكامل، ويضخم من المديونية ويدهور القوة الشرائية للدينار، وعندها لن تتأثر جيب المواطن ببضع دنانير شهريا، وانما سيتدهور اكثر ليصبح راتبه لايعادل من حيث القوة الشرائية ربما 10% مما كان يعادله سابقا، واترك لخيالكم ما ذا سيفعل ذلك بالاسر الاردنية.
وان كان لايوجد حلول اقتصادية بالافق القريب قبل ان تتفاقم الازمة اكثر من ذلك، ربما علينا اعاد النظر بانسانية المواطن الاردني المضياف الذي تعود على مساندة اشقائه العرب وفتح قلوبهم ومنازلهم لهم، وربما علينا ان نقف موقف انساني مع انفسنا ونرحم المواطن الاردني بايقاف استقبال المزيد من اللاجئين لنتمكن من البقاء، كونها قاربت ان تصبح صراع من اجل البقاء، ولكن اعتقد بنية جادة وعزم وارادة صادقين نتمكن من معادلة موازنة الاسعار خلال فترة لاتتجاوز اشهر بسيطة.
رائد شيكاخوا
كاتب ومحلل مالي