مليون مشترك بالضمان.. ماذا بعد..؟



موسى الصبيحي*

جميل أن تغطي مظلة الضمان الاجتماعي أكثر من مليون مشترك يعملون في مختلف مؤسسات القطاعين العام والخاص، وما يزيد على (143) ألف متقاعد، وهو جهد يصب في خدمة أهداف الدولة بتمكين مواطنيها وتعزيز حمايتهم اجتماعياً واقتصادياً، وهي مسؤولية الدول لرعاية مواطنيها مقرونة بقدر عالِ من التعاون الفعّال بين القطاعات المختلفة في المجتمع، بدافع الحرص على توفير سبل الحياة الكريمة للمواطن، وضمان مستقبل آمن له ولأفراد أسرته، فالدول التي تفعل ذلك إنما تدلل على قدرة نظامها على بلورة اتجاهات تحفّز على تعميق الانتماء للدولة، وتشكيل "مصدّات" واقية لأي ضربات اقتصادية قد تؤثر على مواطنيها، كما تحافظ بالضرورة على مستوى مقبول من التوازن الاجتماعي وتضمن حماية الطبقات الضعيفة والفقيرة فضلاّ عن صون حماية الطبقة العاملة التي تشكّل أساس الاقتصاد وعنصر الانتاج في المجتمع.

ولأن الضمان الاجتماعي حلقة مهمة ورئيسة في سلسلة الأمن الاجتماعي والاقتصادي في مختلف دول العالم، ليس فقط لأنه أصبح اليوم مطلباً ملحّاً لتوفير الحماية المطلوبة للعاملين وأفراد أسرهم، سواء أثناء فترات عملهم أو بعدها، وإنما أيضاً وهو الأهم بما يلعبه من دور حيوي في تكريس العدالة في الحقوق ودوره في ترسيخ التكافل الاجتماعي بين أطراف مختلفة في المجتمع، ناهيك عن الدور التنموي الاقتصادي للضمان كلاعب ومستثمر وطني حصيف يتطلع أولاً وقبل أي شيء إلى الصالح العام للمجتمع والدولة ولمستقبل المواطن والأجيال المتعاقبة. ومن هنا فإن تحديات التغطية الشمولية لنظم الضمان الاجتماعي تبرز كواحدة من أهم التحديات لا تقل عن تحدي الديمومة والاستدامة المالية، وكما تشير تقارير صادرة عن المنظمة الدولية للضمان الاجتماعي التي تضم أكثر من 400 مؤسسة وهيئة ضمان وتأمينات اجتماعية حول العالم موزعة على (154) دولة، فإن الأمر يتعاظم في ظل الأزمات الاقتصادية والمالية، وتغدو الحاجة إلى مقابلة هذا التحدي بمزيد من العزم والإرادة أمراً محتوماً وذا أولوية، وهذا ما بدأته المؤسسة العامة للضمان الاجتماعي في الأردن خلال السنوات الأربع الفائتة، بشروعها بتطبيق مشروع ضخم لتوسيع نظاق مظلتها لتغطي كل الأيدي العاملة في الدولة في مختلف قطاعاتهم الاقتصادية، إيماناً بحق كل مواطن في التأمين الاجتماعي كضمانة لحاضره ومستقبله، ومن هنا كانت استراتيجية المؤسسة لتوسيع نطاق الحماية الاجتماعية في المجتمع الأردني عبر عدة محاور: محور التوسع في الشمولية الإلزامية للعاملين في المنشآت الصغرى التي تشغّل عاملاً فأكثر، ومحور الانتقال إلى المغتربين الأردنيين بدءاً من العاملين في دول الخليج العربية لتحفيزهم على الانتساب الاختياري للضمان لمساواتهم بالأردنيين العاملين داخل بلدهم، وهي حماية نعتقد أنها ضرورية، لأن التجارب علمتنا كم هو المغترب العائد إلى وطنه بعد رحلة طويلة شاقة أفنى خلالها سنوات زاهية من عمره، كم هو بحاجة إلى حماية حال عودته وضمان لشيخوخة كريمة في وطنه، والضمان الاجتماعي هو الأكثر قدرة على تأمين هذه الحماية.. ومحور التوسع في الانتساب الاختياري لأي أردني غير عامل في سوق العمل، أو لأصحاب الأعمال والعاملين لحسابهم الخاص أو لربات المنازل مما أوجد فرصة واسعة لشمول أعداد تراكمية من المنتسبين اختيارياً وصلت إلى أكثر من (100) ألف مشترك، منهم (18) ألف مواطن مكّنهم اشتراكهم الاختياري بالضمان من الحصول على راتب تقاعدي.

التوجّهات الاستراتيجية لمؤسسة الضمان الاجتماعي والتي ترجمتها بتوسعة مظلة الضمان لشمول كافة شرائح الطبقة العاملة في الدولة، نابعة من إدراك للضرورة الوطنية لتعزيز مجالات الحماية في المجتمع الأردني، فالظروف الحياتية الراهنة لا على مستوى الأردن فحسب، وإنما على مستوى العالم أجمع، تحتّم بذل جهود كبيرة وتوجيه السياسات العامة لدعم جوانب الحماية الاجتماعية للناس وترسيخ الاستقرار النفسي والاقتصادي لديهم، من منظور المسؤولية الملقاة على عاتق الدولة بكل مؤسساتها وقطاعاتها لتوفير الحماية المطلوبة من المخاطر الاجتماعية التي يتعرض لها الإنسان في حياته وتؤثر في مركزه المادي والاجتماعي، وهي مخاطر تتنوع ما بين مخاطر ذات صلة بالجانب الفسيولوجي والصحي للإنسان كالشيخوخة والمرض والعجز والوفاة، أو مخاطر ذات صلة بالأوضاع الاقتصادية عموماً كالبطالة والفقر وانخفاض الأجور والأزمات الاقتصادية وارتفاع كلفة الحياة المعيشية وغيرها. وكمؤسسة تُعنى بتوفير الحياة الكريمة للإنسان من خلال شموله بالتأمينات الاجتماعية الأبرز والأكثر أهمية وهي التي نصت عليها الكثير من المواثيق العالمية، وقبلها نص عليها ديننا الحنيف كحق من حقوق الانسان، وكإحدى الركائز الداعمة لمبدأ العدالة والتكافل الاجتماعي ليتمتع بحياة كريمة، وهذه التأمينات هي تأمين الشيخوخة والعجز والوفاة وتأمين إصابات العمل والأمراض المهنية وتأمين الأمومة وتأمين التعطل عن العمل.. فقد أولت المؤسسة عبر مسيرتها التي ناهزت اليوم ثلاثين عاماً جلّ اهتمامها لهذا الأمر، فمنذ أن بدأت تطبيق قانون الضمان الاجتماعي في 1/1/1980 حيث تم شمول العاملين في المنشآت والمؤسسات الكبرى في البلاد.. وبعدها بأشهر المنشآت التي تشغل (50) عاملاً فأكثر، ومن ثم تدرّجت لتشمل المنشآت التي تستخدم (20) عاملاً فأكثر، ثم المنشآت التي تشغل (5) أشخاص فما فوق، وامتدت مظلة الضمان لتغطي العاملين في القطاع العام والبلديات، والمنتسبين الجدد للقوات المسلحة والأجهزة الأمنية.. إلى أن بدأت المؤسسة بمرحلة شمول العاملين في كافة المنشآت العاملة في المملكة بصرف النظر عن عدد العاملين فيها، ونعتقد أنها مرحلة متقدمة جداً، تردّدت الكثير من الدول من دخولها نظراً لما تنطوي عليه من صعوبات وتحديات، لكن هذه التحديات كانت ستزداد وتتفاقم لو لم ندخل هذه المرحلة، لأن ما يواجه دول العالم، وخصوصاً الدول التي تعاني من معدلات نمو اقتصادي ضعيفة ومتوسطة، يحتّم عليها توسيع مجالات حماية مواطنيها لمواجهة الأزمات المالية وتبعاتها وآثارها على مجتمعاتها، وبخاصة شرائح العاملين في الاقتصاد غير المنظم، فالتحدي كبير، ولكن الفرص واعدة، فحتى هذه اللحظة ما زال أكثر من 70% من سكان العالم خارج مظلة الحماية الاجتماعية ولا ينعمون بتأمينات اجتماعية ملائمة توفر لهم حياة إنسانية كريمة عندما يصبحون بحاجة إلى الحماية. وويزداد الأمر قتامة عندما نتحدث عن دول إقليم آسيا والباسيفيك التي تزيد على ثلاثين دولة ويشكل سكان الإقليم حوالي (60%) من سكان العالم، إذْ نجد أن ما لا يزيد على 10% فقط من سكان الدول ذات الدخل المتدني في الإقليم يتمتعون بتغطية تأمينية توفرها برامج الضمان الاجتماعي ..!!

علينا أن ندرك كمواطنين وعاملين وأصحاب عمل ومديري مؤسسات أن تَوجّه مؤسسة الضمان لتوسعة مظلتها يهدف إلى خدمتهم وحمايتهم ومصلحتهم، فالعامل الذي يعمل في منشأة يقل عدد العاملين فيها عن خمسة أفراد، من حقه أن يكون مشمولاً بمظلة الضمان حتى ينعم بالحقوق والتأمينات التي توفرها المؤسسة أسوة بغيره ممن يعملون في المنشآت الأخرى الأكبر والأكثر في عدد العاملين، كما أن من مصلحة صاحب العمل أيضاً أن يبادر بطلب شمول منشأته بالضمان لينقل جزءاً كبيراً من عبء المسؤولية إلى مؤسسة الضمان التي ستتولى توفير الأمان الاجتماعي للعاملين لديه.. ومن هنا فإن المؤسسة ستستمر في نهجها الشمولي في إطار رؤية وطنية لضمان اجتماعي شامل ومستدام ومتعاظم، وهو ما يعكس الدور الحقيقي للضمان الاجتماعي وفلسفته وجوهره، لذا لن تقف المؤسسة عند المليون مشترك، وسوف تظل برامجها في الحماية فاعلة وقادرة على استيعاب وتغطية كل داخل جديد لسوق العمل بإذن الله وتوفيقه.


* مدير المركز الإعلامي
المؤسسة العامة للضمان الاجتماعي