علي محافظة الحكومة البرلمانية في الأردن

 

 
عرف الأردنيون البرلمان في أواخر العهد العثماني وفي عهد المملكة السورية الفيصلية القصيرة العمر. وبعد تأسيس الإمارة الأردنية بثماني سنوات انتخبوا أول مجلس تشريعي في البلاد. وتلاه انتخاب أربعة مجالس تشريعية أخرى حتى قيام المملكة الأردنية الهاشمية سنة 1946. وكانت مجالس تشريعية عجيبة، يرأسها دوماً رئيس الوزراء وتضم أعضاء مجلس الوزراء الذين لم يتجاوز عددهم الخمسة في كل مجلس، أي أن المجالس التشريعية ضمت السلطتين التنفيذية والتشريعية معاً في ظل الانتداب البريطاني.
ولما استقل الأردن، وتغير اسم الدولة من إمارة شرق الأردن إلى المملكة الأردنية الهاشمية سنة 1946، ظلت الحكومات تؤلف بتكليف من الملك وتبقى مسؤولة أمامه، ولا تخضع لرقابة مجلس النواب، ولا تنال الثقة منه إلا بعد سنة 1954. وظل الملك هو الذي يكلف رؤساء الوزارات بتأليف وزاراتهم وهو الذي يقيلها أو يقبل استقالتها، حتى بعد صدور الدستور الأردني سنة 1952 وتعديله سنة 1954، مع أنها كانت تنال الثقة من مجلس النواب بموجب أحكام الدستور.
وبعد تعريب قيادة الجيش العربي الأردني في 1 /3 /1956، أجريت أول انتخابات بنزاهة مقبولة في خريف ذلك العام، وسمح للأحزاب السياسية الأردنية بخوضها، ففاز الحزب الوطني الاشتراكي بأكثر المقاعد الحزبية في مجلس النواب. وعندها كلف الملك حسين أمين عام الحزب الوطني الاشتراكي سليمان النابلسي بتأليف الحكومة، فكانت أول حكومة برلمانية حزبية في تاريخ الأردن الحديث. وكانت حكومة إئتلافية ضمت وزراء ممثلين عن حزب البعث العربي الاشتراكي والجبهة الوطنية الأردنية. غير أن هذه الحكومة التي أنهت المعاهدة الأردنية-البريطانية في 13 /3 /1957، وأبدلت المعونة المالية العربية من مصر والعربية السعودية وسورية بالمعونة البريطانية، رفضت مبدأ أيزنهاور، فأقيلت في 10 /4 /1957 دون أن تكمل الأشهر الستة من عمرها. وكان من نتائــــــج إقالتـــــها والانقلاب العسكري الاستباقي الذي رافق هـــــذه الاستقالة، إلـــغاء الأحـــــزاب السياسية في البلاد وحظر نشاطها طوال خمس وثلاثين سنة.
عادت الحكومات الى سابق عهدها، تؤلف بتكليف من الملك وتقال أو تقبل استقالتها منه منذ سنة 1957 حتى هبة نيسان 1989، التي أسفرت عن انتخابات نزيهة لمجلس النواب الحادي عشر الذي مثّل القوى الساسية والاجتماعية في البلاد. ومع أن الملك ظلّ هو الذي يكلف رؤساء الوزارات بتشكيل وزاراتهم، وهو الذي يقيلها ويقبل استقالتها، إلا أن وزارات مضر بدران (4 / 12 / 1989-8 / 6 / 1991) وطاهر المصري (9-22 /6 / 1991) والشريف زيد بن شاكر (22 / 11 / 1991- 29 / 5 / 1993) قد تألفت بالتشاور مع الكتل النيابية. وشاركت هذه الكتل في هذه الوزارات. ولذا تعد هذه الوزارات شبه برلمانية، وفي المفهوم الأردني الجديد، بعد التعديلات الدستورية الشكلية الأخيرة، هي حكومات برلمانية كاملة.
مع صدور قانون الانتخاب لسنة 1993 المعروف بقانون الصوت الواحد، من أجل انتخاب مجلس نيابي طيع للمصادقة على معاهدة السلام الأردنية- الاسرائيلية المبرمة في 26 / 10 / 1994، لم تستشر المجالس النيابية منذئذ عند تشكيل الحكومات الأردنية منذ سنة 1993 وحتى سنة 2013، بل كان من واجبها منحها الثقة، وتقاعست عن القيام بواجبها في رقابة الحكومات ومساءلتها عن الأخطاء التي ارتكبها، وفي مكافحة الفساد الذي استشرى في البلاد طوال عشرين سنة.
وفي ضوء الانتخابات الأخيرة التي أجريت بموجب قانون الصوت الواحد المعدل أو المجّمل بالقوائم العامة، كان أكبر تكتل حزبي في مجلس النواب الجديد هو حزب الوسط الإسلامي. وكان أمام جلالة الملك سبيلان: إما أن يكلف رئيس هذا الحزب أو أمينه العام بتأليف الحكومة، كما فعل الملك الحسين سنة 1956، أو أن يكلف رئيس ديوانه بالتشاور مع الكتل النيابية لتأليف الحكومة وقد لجأ الى السبيل الثاني.
ولمّا كان المجلس النيابي الجديد قد شكل كتلاً ضمت، باستثناء حزب الوسط الإسلامي، نواباً لا تجمعهم رابطة سياسية أو فكرية أو أيديولوجية، فمن الصعب جداً، بل من المستحيل أن تتفق هذه الكتل على رئيس وزراء معين، كما أنه من المستحيل اتفاقها على الوزراء الذين ستضمهم الحكومة البرلمانية الموعودة. ولذا فإنني أتوقع أن تشكل حكومة لا تختلف عن الحكومات التي شهدناها خلال العشرين سنة الماضية، وسوف يمنحها المجلس النيابي الثقة. لكنها ستحمل اسم الحكومة البرلمانية الأولى. فالحكومة البرلمانية الحقيقية هي التي يشكلها التكتل النيابي الذي يحظى بأغلبية المقاعد في المجلس الذي لا يحل طوال مدته الدستورية الكاملة. وهي التي لا تقال إلا حينما يسحب المجلس النيابي الثقة منها. وعلى أية حال فحكومتنا البرلمانية القادمة، سوف تشكل مثل غيرها من الحكومات السابقة، وكغيرها من الحكومات السابقة، سوف يقيلها الملك حينما يكتشف عجزها عن إدارة البلاد وحل مشكلاتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية. و"تيتي تيتي مثل ما رحتي مثل ما جيتي".