حكومة كفاءات أم سياسيين؟
أحد الموضوعات الخاضعة للنقاش هذه الأيام سواء في الأردن أو في غيره من الأقطار العربية التي شهدت قدراً من الإصلاح السياسي هو ما إذا كان من الأفضل تشكيل حكومة سياسيين من قادة الأحزاب مع ما يتبع ذلك من صراعات وتقلبات، أم حكومة كفاءات تركز على الإنجاز والنمو دون إثارة خلافات ساخنة واجتهادات متناقضة.
الفرضية الخاطئة في هذا المجال هي أن الخيار يقع بين سياسي لا يتمتع بالكفاءة والخبرة العملية، وبين كفؤ لا يفهم ولا يتدخل في السياسة، وعلى استعداد للتعاون مع أي رئيس، وتنفيد أية سياسة تطلب منه، فمهمته ليست تحديد السياسات والاهداف بل تنفيذها بأفضل الطرق كما يفعل الوزراء العابرون للحكومات.
في الحياة العملية هناك سياسيون من ذوي الكفاءات العالية والتخصص العلمي، وهناك فنيون يمارسون السياسة وربما كانوا قد تربوا في حضن الاحزاب السياسية.
في الأصل أن الوزير سياسي والأمين العام فني. والمقصود أن السياسي يتمتع بأفق معين وتوجه عام وأهداف، وأن على الامين العام وجهاز الموظفين أن يعملوا فنياً على تحقيق الهدف المقرر سياسياً.
حكومة الكفاءات ليست هي الحالة المثلى، ولا تنافس الحكومـة السياسية، وتأتي في العادة حلاً لأشكال الخلاف بين السياسيين فتكون حكومة الكفاءات هي الحل.
في تاريخ الأردن الحكومي يختلط السياسيون بالفنيين، مع غلبة إحدى الصفتين في كل حالة، وصفي التل مثلاً سياسي أولاً وكفاءة فنية ثانياً، وزميله الثاني خليل السالم كفاءة فنية من الصنف الأولى، أما الزميل الثالث حمد الفرحان فهو سياسي بالدرجة الأولى ولو أنه أمضى معظم حيانه العملية وكيلاً للوزارة. رحمهم الله جميعأً.
الحكومة البرلمانية سياسية بالتعريف، والديمقراطية يبنيها السياسيون ويهدمها السياسيون، أما الكفاءات فهي قادرة على أن تلعب دور المطية وعلى استعداد لخدمة أي مستبد أو دكتاتور.
في تونس مثلاً رئيس حكومة سياسي (الجبالي) وقد دبت الخلافات في الحكومة على أثر اغتيال المعارض (بلعيد) فكان الحل في رأيه أن يعيد تشكيل الحكومة من الكفاءات، وبهذا يضمن رؤيته السياسية وأهدافه، ويحصل على مجموعة كفاءات تستطيع أن تخدمه دون أن تزعجه باجتهاداتها وتوجهاتها.
إذا لم يستطع مجلس نوابنا الجديد أن يتوافق على رئيس حكومة فالحل يكمن في تكليف رئيس سياسي واقتصادي وطاقم وزاري فني، الرئيس مسؤول عن رسم الاتجاه العام، والوزراء مسؤولون عن التنفيذ.