اللامركزية الإدارية وخطبة العرش
وردت في خطبة العرش السامي وفي افتتاح جلالة الملك للدورة غير العادية لمجلس النواب السابع عشر, اشارة الى اللامركزية الادارية وضرورة تبنيها, ومما لا شك فيه, ان هذه الفكرة راوحت كثيرا منذ بداية العقد الاول من هذا القرن بين مد وجزر, وتقدم وتراجع وكانت الفكرة تقسيم المملكة الى اقاليم, وشُكلت لجنة ملكية لوضع مشروع قانون لهذه الاقاليم وتطبيق نظام اللامركزية على هذه الاقاليم (الولايات) المعمول به في بعض الدول.
بدأ التشكيك في موضوع تقسيم المملكة الى اقاليم وتحول الموضوع من اداري الى سياسي وفتحت نقاشات كثيرة حوله, مما حدا برأس الدولة جلالة الملك الى الالتفات عن الموضوع, وتحويله الى الحكومة للنظر في موضوع لا مركزية ادارية على مستوى المحافظات.
لم تقم الحكومات المتتالية بتقديم اي مشروع قانون, او حتى حوار حول هذا الموضوع على اهميته, الى ان جاءت خطبة العرش المشار اليها في بداية المقال, وأرى ان على الحكومة ومجلس النواب ومجلس الاعيان التقاط هذه الاشارة والعمل على انضاجها عبر حوار سياسي - اجتماعي- اقتصادي ومن ثم تحويلها الى مشروع قانون يعرض على مجلس الامة ربما في الدورة العادية الاولى القادمة في الثلث الاخير من هذا العام.
أهمية هذ المشروع تنبع من عدة امور:
1 - تنفيذ فكرة تنمية المحافظات التي تتوجه الدولة الان لتبنيها وتفعيلها.
2 - معالجة اوضاع بلديات المملكة التي اصبحت بمعظمها مترهلة اداريا وتعاني من عجز مالي مرتفع, وذلك بضم هذه البلديات الى مجلس المحافظة.
3 - تخفيف عبء المطالبة بالخدمات من قبل نواب المجلس, وتفريغهم للرقابة والتشريع, وترك موضوع الخدمات في المحافظات لموازنة كل محافظة ولممثلي المجتمع المحلي في مجلس المحافظة, وبالتالي الغاء مفهوم «نائب الخدمات» الذي يحتج به البعض, واقتصار انتخاب نواب الشعب على المهتمين بالعمل السياسي وبالتالي تحويل الانتخاب العام من الصيغة التقليدية لانتخاب نواب الشعب الى صيغة مدنية متقدمة.
ان كل ما ذكرناه لا يغني ايضا عن ضرورة تقوية ودعم توجه الناس نحو تشكيل احزابهم, حتى نصل الى المرحلة التي تقوم الاحزاب بالتنافس فيما بينها للوصول الى الحكم من خلال البرلمان, ومن خلال تشكيل إئتلافات حزبية.
ان وضع قانون الانتخاب الحالي, وضع بائس لا يمكن له ان يصنع تقدما سياسيا, ما لم تقم الدولة بإزالة كافة التشوهات التي تجعل من الانتخاب فرديا, وتجعل من النواب بالتالي افرادا حتى لو تشكلوا في كتل مهزوزة قد تنهار في اي لحظة, وحتى لو جرى تنظيم هذه الكتل في نظام المجلس الداخلي, واعني بالدولة هنا كافة السلطات بمن فيها الاعلام والمفكرون والسياسيون والمحازبون والمثقفون وكافة فئات أبناء المجتمع الذين ينشدون دولة مدنية حديثة, دستورها متقدم وعلى مستوى عال وهو يضاهي دساتير دول اوروبا العريقة في الديمقراطية, فماذا ينقصنا؟
عندها نستطيع ان نشرع قانون انتخاب يؤسس لوضع الدولة الحديثة لمجلس قليل العدد يتناسب مع عدد السكان ويراعي الجغرافيا والديمغرافيا قوامه من 60-80 نائبا يمثلون الوطن بأكمله, خال من الكوتات التي قيل عنها دائما انها وضعت لاسباب مؤقتة, تزول هذه الاسباب مع تقدم الدولة نحو العصرنة والتحديث, أولستم معي ان الإزدحام يعيق الحركة؟