معضلة الحكومة البرلمانية !
تقترب التجربة الجديدة باختيار رئيس الوزراء، وتشكيل الحكومات من خلال مشاورات برلمانية، يجريها الديوان الملكي، من التقاليد السياسية اللبنانية في هذا الشأن،حيث يجري رئيس الجمهورية هناك استشارات مع الكتل البرلمانية، التي ترشح كل منها شخص رئيس الوزراء المفضل لديها،ثم يكلف رئيس الجمهورية الشخص الذي حاز على غالبية أصوات النواب،وهو بذلك يضمن ثقة المجلس.لكن ثمة فرق جوهري بين الحالتين اللبنانية والاردنية،فهناك يوجد احزاب وتيارات وقوى سياسية وطائفية متماسكة ممثلة في البرلمان،بينما في الاردن لا تزال تجربة الكتل البرلمانية متواضعة وهشة، قابلة للانفراط في أي وقت ولأي سبب!
ومن هنا تبدو عملية انتاج حكومة برلمانية في بلادنا، تجربة طموحة لكن نجاحها وفق المعطيات السياسية الراهنة ليس سهلا، وربما يكون تسمية رئيس للوزراء الاكثر صعوبة، رغم بساطة اختيار شخص ما! فربما تلعب العلاقات الشخصية والصداقات والانتماءات المناطقية دورا في ذلك،وقد يقوم بعض الطامحين او الذين تتردد اسماؤهم لشغل هذا المنصب، بايصال» مسجات» الى بعض الكتل والنواب لوضع اسمه بين قائمة المرشحين.
في البلدان الديمقراطية التي تنتهج النظام البرلماني، هناك احزاب تدير العملية السياسية، وتكون الصورة واضحة بالنسبة لتشكيل الحكومة البرلمانية، منذ اعلان نتائج الانتخابات النيابية، اذ ان الحزب او الائتلاف الذي يحصل على أغلبية برلمانية، هو من يشكل حكومة تتولى ادارة شؤون البلاد لمدة اربع سنوات، لا تسقط الا اذا فرط الائتلاف او أجريت انتخابات مبكرة لسبب ما.
اما في بلادنا فنحن نخوض التجربة، كمن يريد تعلم السباحة وينزل الى الماء لأول مرة ! فلا وجود في البرلمان لكتل حزبية او سياسية قوية، تملك أغلبية تمكنها من تشكيل حكومة وفق برنامج واضح، ومن هنا سيختلط الامر في الترشيحات النيابية، بين المواصفات الشخصية للرئيس، واسماء الفريق الوزاري الذي قد يختاره، خاصة مع وجود أصوات برلمانية تدعو الى توزير النواب!وبين التركيز على من يمتلك برنامج عمل جاد، لانقاذ البلاد من أزماتها.
وفي كل الاحوال لن يكون هناك غالبية برلمانية صلبة، تقوم على قاعدة ايديولوجية او سياسية، تحمي الحكومة من تقلب أمزجة كتل هشة، قد تحكم مواقفها او بعض اعضائها، ردود فعل انفعالية او مرتبطة بتحقيق مصالح شخصية !
في غياب البرلمان خلال فترة الاحكام العرفية، شهدت البلاد تجربة تشكيل «المجلس الوطني الاستشاري» بين عامي 1978 و1984،وكان يتم تعيين اعضائه، والحقيقة ان المجلس كان يضم شخصيات سياسية وخبرات تكنوقراط، على مستوى عال من الكفاءة،وبالمقارنة مع ما تنتجه الانتخابات البرلمانية، يمكن القول ان الكثير من اعضاء تلك المجالس، كان أكثر كفاءة من العديد من النواب، الذين تفرزهم صناديق الاقتراع.ولذلك اسباب كثيرة لا مجال للخوض فيها !
وقد يرى البعض، ان تعيين الملك لرئيس وزراء، أفضل من تجربة استشارة الكتل النيابية، لاختيار شخص الرئيس، في ظل المشهد السياسي الضبابي الراهن، فربما تكون الحكومة التي تنتج عن الاستشارات النيابية، رهينة لابتزاز وضغوطات بعض الكتل والنواب،طالما انها لا تستند الى قاعدة برلمانية صلبة، لكنه تمرين ديمقراطي حي لا بد منه،ومن ايجابياته ايضا، ان الحكومة تبقى تتحسب لرقابة ومساءلة البرلمان، ويتحرر مجلس النواب من حرج ان هذه حكومة الملك.