قرار يأكل من رصيد الدولة!
اضم صوتي الى الكتاب والمعلقين وممثلي المؤسسات الاهلية والاحزاب الذين استهجنوا قرار مجلس الوزراء الأخير فرض اجور على نقل المرضى غير المؤمنين صحيا في سيارات الاسعاف. المشكلة ليست في قيمة الأجر المرتفعة وهي اربعين دينارا، وانما في مغزى هذا الاجراء الذي ينسف جسرا آخر كان يربط بين الدولة والمواطن.
القرار يفرض اعادة تعريف لدور الدولة تجاه مواطنيها، ويؤكد وظيفة الجباية التي يبدو انها اصبحت المهمة الاولى للحكومات التي تأتي وتذهب وقد تخلت في كل مرة عن جزء آخر من دورها الاجتماعي-الاقتصادي. وظيفة الدولة الاساسية هي حماية المواطن والانحياز الى الفقير والمريض والمعوق. كان من المفروض ان تفكر الدولة في كيفية توسيع مظلة المؤمنين صحيا في الاردن، لا معاقبة المحرومين من الرعاية الصحية وهم يعدون بالملايين.
من الخطأ الكبير ان تتخلى الدولة عن دورها في صون الأمن الاجتماعي بما في ذلك حماية من هم خارج التغطية الصحية بحيث تخضع كل القيم ومنظوماتها الى مراجعة تحتكم فقط الى مبدأ الربح والخسارة. اذا سلكنا هذا الطريق فمعنى ذلك ان تخرج الدولة تماما من حياة الناس وتترك الضعفاء والمعوزين ضحية لنظام راسمالي لا يفكر الا بهامش الربح. سينعكس ذلك على نظام التعليم الاساسي المجاني يوما ما وقد ترى الحكومة ان تتخلى عن مسؤوليتها تجاه ملايين الطلبة في المستقبل من باب ضغط النفقات ومعالجة العجز.
نتكلم عن استرجاع هيبة الدولة وهذا لا يعني فرض الأمن وتطبيق القوانين فقط. علينا ان نتكلم ايضا عن قيمة الدولة ودورها في المجتمع من حيث تكافؤ الفرص وتعزيز مفهوم المواطنة وتوسيع مظلة الضمان الاجتماعي وتوفير الرعاية الصحية اللائقة للذين لا يتمتعون بالتأمين الصحي. انها علاقة فلسفية اخلاقية تستند الى عقد اجتماعي يحدد مفهوم الوطن والمواطنة ضمن منظومة قيم انسانية. من حق المواطن ان تضمن له الدولة التعليم والصحة والعمل والمساواة امام القانون والتقاعد المريح وغير ذلك من حقوق جامعة تتشارك فيها كل دول العالم المتحضرة.
القرار الأخير لا صلة له بكل هذه القيم وانما يعبر عن وجهة نظر ضيقة تأكل من رصيد الدولة ومن دورها الاجتماعي وتفقدها قيمتها امام المواطن.