الاعتصامات الشخصية وهيبة الدولة

أول المتضررين من الاعتصامات التي تفشت في الآونة الأخيرة ولدواع شخصية هم قوى الحراك والأحزاب الذين يطالبون بإصلاحات حقيقية سياسية واقتصادية واجتماعية، ما يثير تساؤلات عن الجهات التي تقف وراء هؤلاء وفي نفس الوقت أين هيبة الدولة تجاههم؟.
هنالك من يجيش أفرادا معدودين في صيغة اعتصام جماعي للمطالبة بعلاوات أو للضغط على الحكومة للتراجع عن قرارات تتعلق بالتقاعد والاستغناء عن الخدمات، حتى إن البعض بات يعتصم للحصول على مكتسبات إضافية وبطريقة غير مباشرة.
الغريب أن المسؤولين في الدولة غالبا ما ينصاعون للمطالبات وأحيانا تتم تفاهمات من تحت الطاولة، كما حدث مع مسؤولين كبار تم إحالتهم على التقاعد وبطرق قانونية، لكنهم لم يستسلموا وجيروا الاعتصامات لصالحهم، حتى أن منهم من قدم هبات ومبالغ مالية.
تلك الظاهرة أخذت بالاتساع بعد أن مارست الحكومة ومتنفذون في الدولة نفس الشيء عندما كانت ترغب بمواجهة الاحتجاجات الإصلاحية وتعكير صفو الشارع، ومعروفة الصيغ التي كانت تشكلها الحكومة في هذا المجال فبدأنا نسمع بمصطلحات جديدة مثل «الموالاة» و»الشبيحة».
بيد أن تلك الممارسات انقلبت بشكل عكسي على الحكومة وهي الآن تدفع الثمن، فأصبحت مضطرة للانصياع لعدد قليل من الناس رغم أنها لم تكن مهادنة مع قوى الإصلاح الحقيقيين، كونه في الحالة الأولى تخشى التكوين العشائري وتخاف من ممارسة العنف.
الخطورة تكمن في توظيف تلك الاعتصامات عند تشكل الحكومات ورحيلها أو بدء عمل مجالس النواب، إذ كان حل المجلس السابق بسبب الاعتصامات التي اختلطت بين الواقعي والمجير، وحكومة سمير الرفاعي رحلت لذات السبب.
لعل من المفيد استذكار بعض الاعتصامات التي حدثت احتجاجا على توقيف أفراد متهمين بفساد، أو تلك التي كانت تحتج على تنفيذ خطة هيكلة الرواتب، بعد أن فقد موظفين امتيازات كانوا لا يستحقونها، واحتجاجات ضد تنقلات في الوزارات ودوائر حكومية.
ما يستدعي التوقف للحظة إن كانت تلك الاعتصامات الوهمية ستستخدم في محافظة بعض الأفراد على مستوياتهم العليا، وتتطور المسألة لحدود حقائب وزارية، لغاية اقصاء وتشويه سمعة البعض أو تلميع آخرين، خصوصا أننا على موعد قريب لتشكيل حكومة، ولا ندري من الجهة التي ستضطر في النهاية لاستخدام تلك الظاهرة، على الأقل لحسم المسألة؟.