ملف الكازينو ... ضجرناه

من بين كل ملفات سوء الإدارة والهدر والفساد، لم يحظ ملف بالتعليق والنقاش والاجترار، كما حظي به ملف الكازينو. وفي اعتقادي أن وراء ذلك ثلاثة أهداف، أولها هو التعتيم على ملفات الفساد والهدر الكبرى، المنظورة وغير المنظورة، وأهمها ملف " برنامج التحول الاقتصادي والاجتماعي" الذي كلّف الخزينة نصف مليار دينار ذهب بعضها سدى وبعضها فسادا وإفسادا، ومن بينها ملف شركة أمنية، وقد كلّف الخزينة دخلا فائتا بمبلغ مماثل، وملف خصخصة الكهرباء الذي رفع كلفة انتاج الطاقة الكهربائية وكلف الاقتصاد والمواطنين، مئات الملايين . ولم يعد أحد ـ للأسف ـ يتناول هذه الملفات ولو بكلمة، بينما يستمر الكلام على ملف الكازينو الذي لم يكلف الخزينة شيئا، وثانيها مساعي البعض للتطهر الذاتي المجاني؛ فملف الكازينو ينطوي على بعدين، ثقافي قيمي وإداري إجرائي، ويتم، عادة، الخلط بينهما عمدا بحيث يظهر وكأن فكرة الكازينو هي جريمة بحد ذاتها، ما يمنح المتحدث وجاهة الدفاع عن قيم دينية، وثالثها نزعة الهجوم المستمر على رئيس الوزراء الأسبق، معروف البخيت، ليس بسبب أخطائه، وإنما بسبب حسناته، وخصوصا تمسكه بالوطنية الأردنية ومقتضيات الأمن القومي الأردني. ونزعة الهجوم على البخيت لا تخصه شخصيا، وإنما تعم كل رجال الدولة الأردنية، الصالح منهم والطالح، فيما يشبه تيار اجتثاث البعث في العراق الشقيق. وأخشى أننا في مرحلة مماثلة من مساعي هدم ركائز الدولة الأردنية التي نعرفها لصالح نخب لا هم لها سوى تنفيذ برنامج التجنيس والتوطين.
في ملف الكازينو هناك الفكرة وهناك التنفيذ. وقد تحمل البخيت المسؤولية الأدبية عن الفكرة. وهناك جهات عديدة ترهبه وترهب سواه لمنع طرح أي فكرة تخالف المتزمتين الذين ينسون أن في مصر عشرات الكازينوهات التي لا تزال تعمل ـ وستظل تعمل ـ تحت حكم الإخوان والسلفيين.
بالنسبة لي، فإنني ضد الكازينو ليس لأسباب تعصبية، وإنما لأنني، من موقع يساري، أتوجه إلى صيغة تنموية انتاجية ليس من بينها انشاء مرافق ضخمة للسياحة، بل تعزيز السياحة البيئية والثقافية والشعبية، لكنني أرفض إدانة وتجريم الأفكار بحد ذاتها من موقع التحريم في دولة مدنية.
المشكلة في ملف الكازينو هي في الاتفاقية والإجراءات، وقد شابها ما يستحق المساءلة والمحاكمة. وهذا شأن آخر، يفصل فيه القضاء الآن، فلا يجوز، تاليا، التعليق على مجريات التقاضي والتحريض واستعراض العضلات وتصفية الحسابات من دون واعز من ضمير.
لطالما أكدنا على ضرورة تصفية شاملة لكل الملفات العالقة وبعضها يدخل في باب الهدر وبعضها في باب سوء الإدارة وبعضها في باب الفساد الصريح، وإغلاق هذا الباب وراءنا، لكن من دون جدوى، ما جعل القصة كلها سيفا مسلطا على رقاب البيروقراطية الأردنية بمجملها، وما مكّن الليبراليين الجدد من العودة إلى موقع القرار الاقتصادي بعد سنتين من الحراك؛ فها نحن اليوم ـ مع المساعدات الخليجية لسنة 2013ـ أمام برنامج تحول اقتصادي واجتماعي رقم 2 سوف يتم بواسطته هدر مليار وربع المليار مجددا، بينما يصمت الجميع على هذه الكارثة، نوابا وأحزابا وشخصيات وكتابا، تحت غطاء من تكرار سخافات في ملف الكازينو.