سيناريوهات اختيار رئيس الحكومة البرلمانية

الامتحان العسير الذي يتعرّض له السادة النواب المحترمون في المجلس السابع عشر لغايات اختيار رئيس الوزراء القادم للحكومة البرلمانية والتي ستتم لأول مرّة في الأردن وفق الرؤى الملكية السامية والتي تندرج ضمن خريطة الطريق الإصلاحية لجلالة الملك بالطبع سيضعهم على المحك الحقيقي، إذ لطالما طالب الشعب والنواب بأن تكون الحكومات من رحم مجلس النواب ومن تحت القبة لتكون الأمة مصدر السلطات. فهل سيكون النواب على قدر المسؤولية الملقاة على عاتقهم؟ وهل سينجح النواب في أول امتحان لهم تحت القبة؟ وهل سيكون النواب على قدر التحدي لإفراز حكومة برلمانية تُجسّد رغبات الشعب وتخدمه على الأرض وتحوّل التحديات إلى فرص بدءاً من رئيس الوزراء ووصولاً للوزراء؟ وهل سيكون الشخوص المختارون ممن قلبهم على الوطن ويُغلّبون المصالح العامة على الخاصة؟ نتمنّى ألّا يخفق النواب في أول امتحان كي لا نشعر بخيبة أمل.

فالسيناريوهات المطروحة على الأرض لتشكيل الحكومة البرلمانية في خضم التشاور مع مجلس النواب والذي أطلقه جلالة الملك يظهر بأن هنالك أربعة سيناريوهات تلوح في الأفق وتتباين في صفاتها بين العملية والواقعية من جهة وبين اللامعقولة من جهة أخرى. وأولى هذه السيناريوهات أن تكون الحكومة جلّها رئيساً وأعضاء من النواب أنفسهم وهذا المبدأ ما يعرف بتوزير النواب، والسيناريو الثاني يوزّر النواب في حكومة رئيسها من خارج مجلس النواب، والسيناريو الثالث وضع مواصفات للرئيس القادم وإلزامه ببرنامج عمل واقعي قابل للتطبيق ضمن اسراتيجية عمل وخطط مرتبطة بمؤشرات أداء وترك تسميته لجلالة الملك مع إدماج الوزراء السياسيين والتكنوقراط، أمّا السيناريو الرابع فهو ترشيح ثلة من الأسماء لجلالة الملك ليختار رئيساً من بينهم وتشكّل الحكومة بالطرق السابقة مع الخلط بين الوزراء التكنوقراط والسياسيين. وكل سيناريو من هذه السيناريوهات الأربعة "له ما له وعليه ما عليه”.

فتوزير السادة النواب ليس من مصلحة الوطن ولا يمكن أن يقبله عاقل قلبه على الوطن في هذه الأيام –ولا حتى كثير من السادة النواب أنفسهم- لما فيه من تأثير على دورهم الرقابي والتشريعي وتأثير على ثقة الناخبين بالنواب أنفسهم وخصوصاً أن الكتل النيابية التي أُفرزت للآن ما زالت هشّة وغير متماسكة أو متفقة على مبادئ وخطط عمل وبرامج واضحة المعالم وإطاراتها العامة ليست حزبية ومواقفها ليست سياسية بحتة، وحتى أن البعض يرى أن مبدأ توزير النواب يشكّل تغوّلاً من السلطة التشريعية على السلطة التنفيذية وربما فيه إشكالية دستورية تؤثّر على استقرار السلطة التنفيذية ومبدأ الفصل بين السلطات لأن النواب تم انتخابهم ليمثّلوا الشعب وليس للجمع بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، ويعوّل على ذلك في تقوية البرلمان وهيبته واستعادة ثقة الشارع به.

نخشى أن ينسى السادة النواب دورهم الرئيس كمشرعين ومراقبين لعمل الحكومة ويتطلّعون للمشاركة بالحكومة فقط حتى ولو كان رئيسها من خارج المجلس ومن أصحاب الخبرة السياسية،وخصوصاً أن هنالك أفكاراً وطروحات تنتشر هنا وهناك بين النواب بضرورة أن يكون رئيس الحكومة على الأقل من النواب أنفسهم.

لا يمكن،وربما من المستحيل، للتوافقات حول آليات التشاور مع النواب أن ترسو على سيناريو واحد أو شخص بعينه لرئاسة الحكومة، ولهذا فإن التباين حول آليات التشاور واضح بين الكتل النيابية فكيف سيكون في موضوع طرح اسم رئيس للحكومة بعينه؟ ولهذا فربما من الأسلم للكتل النيابية الاكتفاء بطرح مواصفات و "مقاسات” لرئيس الحكومة وإلزامه ببرنامج عملي تطويري واضح المعالم لعمل الحكومة، إلّا إذا أُوجدت الآلية المناسبة لخلق إئتلاف نيابي يتوافق على شخص رئيس الوزراء، وعندها سيكون أغلبية نيابية ترشّح رئيس الوزراء والحكومة بالمقابل تتوافق الأقلية النيابية على حكومة المعارضة والظل داخل المجلس لتُحسِن وظيفة مراقبة الحكومة. 

كما أن المهم في الوقت الحاضر أن تنعكس التوجهات الملكية الإصلاحية على تشكيل حكومة ائتلاف نيابي تمثّل حالة وفاق وطني ممثلة لكل الأطياف السياسية وتعيد ثقة الشارع بالحكومات ولترعى مبادئ العدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص وتحارب الفساد وتحلّ المشاكل الاقتصادية وتوفّر فرص العمل والتي تشكّل همّ المواطن الأول، وتتعامل مع التحديات الوطنية في المجالات كافة في أُطر برامجية قوامها مؤشرات إنجاز واضحة المعالم، ولتحقق مبادئ الثورة البيضاء التي دعا إليها جلالة الملك المعظّم.

مرّة أخرى أخشى أن تسهم بعض الأفكار من قبل بعض السادة النواب في إجهاض الرؤى الإصلاحية المطروحة على طاولة الحوار والمناقشات والمشاورات معهم ونخسر مبادئ تعزيز النهج الإصلاحي التشاوري التي يتبنّاها ويعوّل عليها جلالة الملك المعظّم ونعود للمربع الأول الكلاسيكي في آليات تشكيل الحكومات، ولهذا فربما من الأسلم عدم الخوض في طرح اسم رئيس الحكومة في الوقت الحالي بقدر ما يسهم السادة النواب في وضع مواصفاته ووضع إطار عريض لرؤى إصلاحية وثوابت برامجية يُلزم بها رئيس الحكومة القادم مع التركيز على تحضير درس مجلس النواب في تشكيل ائتلاف نيابي يشكّل حالة توافق وطني ويعزّز الرؤية الملكية في حكومتي الوفاق الوطني وحكومة الظل، فهل سينجح السادة النواب في امتحان جلالة الملك والشعب لهم؟ نعوّل عليهم وبتفاؤل بأن يضطلعوا في دورهم الوطني هذا على أكمل وجه، فالكرة في مرمى :  .السادة النواب المحترمين