مشكلتنا في «أحزابنا»!

لا تجوز المقارنة بين التجربة الأردنية والتجرية المغربية لجهة تشكيل الحكومات وتكليف القوة البرلمانية الرئيسية في إختيار رئيس الوزراء ومعظم وزرائه أيضاً من أعضائها البرلمانيين فهناك في المغرب الشقيق تجربة حزبية طويلة تعود إلى ما قبل الإستقلال وهناك موالاة ومعارضة واضحة ومعروفة ولكل واحدة منها برامجها الإقتصادية والسياسية والإجتماعية التي تختلف عن برامج الأخرى إنْ جزئياً وإن بصورة كاملة.

أمَّا عندنا، هنا في المملكة الأردنية الهاشمية، فإنَّ هناك أسماءً حزبية كثيرة، يُقال أنها وصلت إلى نحو ثلاثين إسماً، ولكن بدون حتى ولا حزباً واحداً من الناحية الفعلية والحقيقية وذلك مع أنه قد مضى على العودة إلى المسيرة الديموقراطية، التي كانت قد توقفت في العام 1957 وللأسف، قرابة نصف قرنٍ من الأعوام.

ولهذا ولعدم وجود ولا حزب واحد يستحق هذا الإسم، حتى بما في ذلك جماعة الإخوان المسلمين المصرَّة على التمترس في خنادقها القديمة وحتى بما في ذلك وجه عملتها الآخر حزب جبهة العمل الإسلامي، الذي ثبت وباليقين القاطع أنه «ليس للهدَّة ولا للسدَّة ولا لعازات الزمان» ما دام أن قراره هو قرار هذه الجماعة وما دام أن كل شيء بيد «مراقبها» العام،.. فإننا رأينا كيف كان هناك كل هذا التخبط بالنسبة لقانون الإنتخابات الذي أجريت على أساسه الإنتخابات الأخيرة التي، مع كل التقدير والمحبة لكل الذين فازوا فيها، ستثبت الأيام أنها ربما تكون الأسوأ مقارنة بكل الإنتخابات التي جرت بعد إستئناف المسيرة الديموقراطية في العام 1989.

والمشكلة، التي من المفترض أن كل «الرفاق» و»الأخوة» من قادة وأعضاء وأصدقاء هذه التشكيلات الهزيلة يقرون ويعترفون بها، أننا ورثنا تركة أحزاب قومية وأممية و»مقاومية»، نسبة إلى بعض فصائل المقاومة الفلسطينية، منهارة وأنتهى دورها التاريخي المفترض دون أن تحقق شيئاً يمكن البناء عليه وأنَّ كل محاولات إنشاء أحزاب وطنية كالأحزاب المغربية قد إنتهت إلى هذا الفشل الذريع الذي أكدته الإنتخابات الأخيرة والسبب أن إنشاء وتشكيل هذه الأحزاب قد إستند على ركائز وأسس غير صحيحة لا من حيث المنطلقات والبرامج ولا من حيث الدوافع الشخصية.

هذا عندنا، حيث فشلت كل محاولات النهوض المتعثر لبقايا أحزابنا القديمة والجديدة، أما في المغرب، المملكة المغربية الشقيقة، فإن التواصل الحزبي، إن في هيئة المعارضة وإن في هيئة الموالاة بقي مستمراً منذ عشية الإستقلال وحتى الآن، ومتمثلاً في البداية بحزب «الإستقلال» التاريخي بقيادة المجاهد الكبير علاَّل الفاسي وأيضاً بحزب الإتحاد الإشتراكي للقوات الشعبية وحزب التقدم والإشتراكية ومنظمة العمل الديموقراطي الشعبي وحزب الإتحاد الوطني للقوات المغربية حزب الشهيد المهدي بن بركة وعبد الرحيم بوعبيد والفقيه محمد البصري وأخيراً حزب العدالة والتنمية بقيـادة عبد الإله بنكيران الذي أصبح رئيساً للوزراء بعد الفوز في الإنتخابات الأخيرة.

ولعل ما يجب أن نتوقف عنده الآن ومطولاً أننا في الأردن بقينا «نتعكَّز» على فلول أحزاب قومية وأممية وإسلاموية و»مقاومية» إنتهت صلاحياتها جميعها، حتى بما في ذلك جماعة الإخوان المسلمين في مصر التي تمر الآن في إمتحان عسير وضَعَها على مفترق طرق جديٍّ، وبقينا نخجل أو نخاف من ان نقول لـ»الأعور أعور في عينه» وذلك في حين أن ما جعل التجربة الحزبية المغربية هي هذه التجربة الناجحة أن القانون الذي بقي سارياً ومطبقاً في هذا المجال قد نصَّ على منع تشكيل الأحزاب على أسس دينية أو لغوية أو عرقية أو جهوية وعلى منع تشكيل أحزاب كإمتدادات لأحزاب خارجية لا قومية ولا يسارية ولا إسلامية.