قلب سامر العيساوي الضعيف أقوى منا جميعاً

 

 
الصمت الدولي على معاملة إسرائيل للأسرى الفلسطينيين، والعرب في معتقلاتها، هو الصمت نفسه على الاحتلال وهدم البيوت والتشريد والاقتلاع والقتل، لأن المطلوب هو الإذعان الفلسطيني والاستسلام لآلة الحرب الإسرائيلية.
معاناة الأسير سامر عيساوي، ورفاقه المضربين عن الطعام، تزعج ما يسمى بالمجتمع الدولي، بحكوماته ومؤسساته، ليس لما تمثله من مأساة إنسانية، لكن لأنها تثير القضايا المسكوت عنها، من ظلم وقمع يومي للإنسان الفلسطيني، وتفضح تواطؤ "المجتمع الدولي" في تمكين إسرائيل بالاستمرار والتصعيد في خرق حقوق الإنسان والتجديد والتنويع في أشكال العقاب الجماعي والتعذيب الجسدي، وتحميها من التبعات السياسية والقانونية لجرائمها.
قضية الأسرى، بشكل خاص، لها بعد لا تريد الدول الغربية الداعمة لإسرائيل، ولا الحكومات العربية، مواجهته: أي بعد شرعية ومشروعية المقاومة، بكافة أشكالها، ضد الاحتلال كما نص عليه بوضوح ودون لُبس ميثاق الأمم المتحدة، الذي تمت صياغته اعترافاً بحقوق الشعوب التي يتم إخضاعها للسيطرة والغزو العسكريين.
فالهدف من الأسر، في حالة الاحتلال، هو منع المقاومة، وكسر عزيمة الشعب وهزيمته، وليس لذلك أية علاقة بقانون أو بمفهوم "الجريمة" إلا بمعنى تجريم الفعل المقاوم، السلمي والعسكري سواء.
ما يهم "المجتمع الدولي" للأسف، لا يتعدى ردع المقاومة الفلسطينية، بالأخص الهجوم المنظم أو غير المنظم على أهداف إسرائيلية، وهو بذلك يعطي ضوءا أخضر إلى الجيش الإسرائيلي بالبطش والتنكيل بحجة الحفاظ "على أمن الدولة" و"مكافحة الإرهاب الفلسطيني".
لذا فليس غريبا أن تتعمد الحكومات الغربية، وتتبعها وسائل الإعلام الغربية، بوصف الوضع "بالهادئ"، فيما تستمر إسرائيل بروتينها المعتاد من مصادرتها للأراضي وطرد السكان وترويعهم، لكنها، الحكومات ووسائل الإعلام معا، تستنفر وتعلن خرقاً "لحالة الهدوء" إذا كانت هناك عملية فلسطينيا، على أي هدف إسرائيلي، وحينها تعلو الإدانات والتهديدات، ويصبح سلام المنطقة والعالم في خطر وجودي وكوني.
أما أمور مثل عدم شرعية محكمة الاحتلال وأحكامها، وتعذيب الأسرى وإهمال أوضاعهم الصحية، وعدم احترام المواثيق الدولية الخاصة بمعاملة الأسرى، فكلها تصبح أمورا هامشية، لا تريد لا الدول الغربية ولا الأنظمة العربية، الانشغال بها، أو إزعاج النفس ، ولو للحظات قليلة، فالمقاومة هي ما قد يؤرق المضاجع، تجنباً للضغوط الأمريكية، لأن معيار نجاح هذه الحكومات هو في ضمان الخنوع الفلسطيني وليس وقف معاناة أسير تجرأ على تحدي جبروت الاحتلال.
"الأسير الفلسطيني"، وفق هذا المنظور، هو تجسيد للإزعاج الأعظم، المتمثل في استمرار المقاومة، فالخطأ هو ما ارتكبه الأسير أو الأسيرة، و "خطيئة الأسرى" عدم فهم الدرس والمثول للأمر الواقع، لأن مفاهيم البطولة والتضحية، لا تتناسب مع معطيات مرحلة السلام المُستَسلِم.
سامر عيساوي ورفاقه، وخضر عدنان ورفاقٌ آخرون، اختاروا أن يكسروا الصمت واللامبالاة بأمعائهم الخاوية، وفي حالة سامر، بروحه وحياته، في صرخة تنبيه لعلها تنقذ الضمير العالمي والعربي النائم.
ليس من العدل إنكار التحرك، من قبل النشطاء، سواء في الإردن، العالم العربي، والعالم، فالبعض أبدى استعداداً للتبرع بكليته من أجل إنقاذ سامر، الذي قد لا يتحمل جسمه النحيل الضامر، أية عملية لإنقاذه، سامر حرّك مشاعر استسلمت لطغيان الظلم، لكن صحة سامر ورفاقه، وربما حياته، لا تقاس باعتصام أو مظاهرة، وعرائض، مع كل الاحترام لأهميتها، لأن صرخة الأسرى الصامتة، هي ضد ظلم شعب أسير وأرض ٍ سليبة، تتطلب ثورة على الاحتلال.
وليس لدي كلمات أخرى أضيفها غير كلمات سامر الأصدق تعبيراً وبلاغة:
"إن نبضات قلبي المتوترة والضعيفة تستمد صمودها منكم أيها الشعب العظيم، وإن عيني التي بدأت أفقد البصر بها تستمد النور من تضامنكم ومساندتكم لي، وإن صوتي الضعيف يأخذ قوته من صوتكم الذي يعلو على صوت السجان والجدران".