اليوم محطة جديدة



تبدأ اليوم مراثون مشوارات تشكيل الحكومة مدشنة تحولاً جديداً ، في مسار المشهد السياسي الأردني ، بدأ عام 1989 ، بإستعادة شعبنا لحقوقه الدستورية المعلقة ، عبر إستئناف الحياة البرلمانية وترخيص الأحزاب السياسية ، وها هي تتجدد أكثر وتتعمق بعد أكثر من عشرين عاماً وستة دورات برلمانية متقطعة ، كان المشهد فيها أسيراً لعوامل محلية ، وسيطرة القوى المحافظة ، ونفوذ حركة الإخوان المسلمين ، وتحالفهما وتعارضهما مع بعضهما البعض في غياب للقوى الوسطية والقومية واليسارية ، حيث كان دورهم هامشياً ، بسبب نتائج الحرب الباردة على المستوى الأممي ، ونتائج إحتلال العراق وتدميره على المستوى القومي . 

ثورة الربيع العربي ساهمت بدفع التحولات الجارية في بلادنا بالإتجاه الإيجابي على مستويين أولهما سارعت بإنجاز سلسلة من الخطوات الجوهرية لصالح الأمن والإستقرار لشعبنا وبلدنا ، وفي طليعتها التعديلات الدستورية وقانون جديد للإنتخابات حوى مفاهيم وتوجهات وقيم جديدة ، وثانيهما تحاشي التصادم وتعارض المصالح بين الأطراف المختلفة ، وكلاهما سواء ما تم إنجازه ، أوما تم تحاشيه ، يشكل مكسباً تراكمياً تدريجياً لشعبنا يعكس واقعية أصحاب القرار لدى طرفي المعادلة ، لدى النظام - الدولة من جهة ، ولدى المعارضة من جهة أخرى . 

محطة اليوم ، جديدة بكل ما تحمل هذه الكلمة من مضمون ، وهذه الخطوة من معنى ، صحيح أنها نتاج البرلمان والتحول الأصلاحي ، ولكنها نقلة نوعية على طريق إستعادة شعبنا لكامل حقوقه الدستورية تطبيقاً للنص القائل " الشعب مصدر السلطة " يمارسها عبر مؤسساته ونوابه المنتخبين ، من خلال صناديق الإقتراع . 

هذا هو التحول النوعي الذي سيعيد حالة التوازن لأوضاعنا الداخلية ، في ظل تنافس ديمقراطي برنامجي بين مختلف توجهات الأردنيين وسياساتهم ، مثلما يعطي لمجلس النواب قيمته بإعتباره صاحب الولاية ، وصاحب القرار التشريعي ومنه ومن خلاله للسلطة التنفيذية ، ويكون بذلك نظامنا النيابي الملكي – أيضاً – مصاناً من أي مساس ، محفوظ الكرامة والهيبة ، ومرجعية لكل الأردنيين . 

ستبرز عقبات خلال عملية التشاور والأختيار ، بين مختلف الأطراف والكتل سواء لجهة إختيار الرئيس ، ولدى تكليفه وإختياره للفريق الحكومي ، وهي إشكالات متوقعة ، وعادية تحصل في كل الأنظمة الديمقراطية ، وستحصل عندنا بقوة أكثر ، لغياب التقاليد ، وغياب القوى الحزبية المتماسكة وهشاشة الكتل البرلمانية ، ولكنها ستشكل دافعاً للتماسك كي يدرك النائب أن لا قيمة أحادية ولا دور فردي له إذا بقي خارج التشكل الحزبي ، وأن العمل الجماعي هو أساس النجاح ومصدر القوة له ، ولبرنامجه وتوجهاته . 

مثلما شكل قانون الإنتخاب ، خطوة إلى الأمام ، ومجلس النواب السابع عشر دفعه متقدمة ، ستكون الحكومة المقبلة ، التجسيد العملي للوصف الدستوري لنظامنا على أنه حقاً " النظام النيابي الملكي " .