رؤية أوباما مفقودة في الأردن
بغض النظر عن الحلول التي يراها الرئيس الأمريكي باراك أوباما للأزمة الاقتصادية في بلاده، ورغم عدم تعرضه حتى بالتلميح للبنية التحتية المسؤولة الأولى والأخيرة عن الأزمة الحالية وسابقاتها، في الأقل لأن أكثر من سبعين بليونيرا ومليونيرا مولوا حملتيه الانتخابيتين للرئاسة، فإن "رؤيته" المعلنة للمشهد العام للأزمة، كما وردت في خطابه عن حالة الاتحاد الأمريكي يوم الثلاثاء الماضي، تتميز بوضوح يثير حسد الأردنيين لافتقاد النخبة الحاكمة والبرلمانية لديهم لرؤية مماثلة لا تخشى التحدث بلغة "طبقية" واضحة عن العمال والأجور، والأغنياء والفقراء، وعن "قلة" تحتكر الثروة والحكم وفوائد الانفاق العام "وكثرة" مسحوقة بهذا الاحتكار لا يمكّنها النظام الانتخابي من ايصال ممثلين حقيقيين لها إلى السلطة التشريعية لردع الاحتكار وفساد القلة الناجم عنه.
فمن قمة هرم قيادة حكم النظام الرأسمالي العالمي الأول والأكبر شاهد أوباما "أرباح الشركات تحلق عاليا كما لم ترتفع في أي وقت مضى" بينما "بالكاد تحركت الأجور والدخل لأكثر من عقد من الزمن" لعامة الشعب، ورأى أن "مهمتنا" هي التأكد من أن هذه الحكومة تعمل باسم الكثرة لا باسم القلة فقط"، وعرف هذه "القلة" بأنها "الواحد بالمئة الأغنى من الأمريكيين"، ولاحظ بأنه "على مدى السنوات القليلة الماضية عمل الحزبان (الديمقراطي والجمهوري اللذان يتناوبان الحكم) معا على تخفيض العجز، غالبا من خلال التخفيضات في الانفاق"، كما لاحظ بأن "البعض في الكونجرس اقترح منع التخفيضات الدفاعية فقط بإجراء تخفيضات أكبر في أمور مثل فوائد التعليم والتدريب على الوظائف والرعاية الصحية والضمان الاجتماعي" ليستدرك معترضا على ذلك بقوله:" لكننا لا نستطيع أن نطلب من المواطنين المسنين والأسر العاملة أن يتحملوا كل عبء تخفيض العجز بينما لا نطلب شيئا أكثر من الأغنى والأقوى"، وليضيف متسائلا باستنكار: "لماذا نختار إجراء تخفيضات أعمق في التعليم والرعاية الصحية فقط من أجل حماية الاعفاءات من الضرائب للمصالح الخاصة؟ كيف يكون ذلك عادلا؟ وكيف يعزز ذلك النمو"؟، ليخلص من ذلك إلى الاستنتاج بأن "الشعب الأمريكي يستحق قانونا للضريبة... يضمن بأن لا يتمكن أصحاب المليارات.. من دفع معدل للضريبة أدنى من المعدل الذي تدفعه سكرتيراتهم"، وبعد أن أشار أوباما إلى أن العامل الأمريكي بدوام كامل يحصل على (14500) دولار في السنة قال إن أسرة عامل كهذا مكونة من الأبوين وطفلين سوف تظل "تعيش تحت خط الفقر، وهذا خطأ"، ليخلص إلى القول: "دعونا نعلن بأنه يجب أن لا يعيش أحد يعمل بدوام كامل فقيرا في الدولة الأغنى في العالم" لأن "الشعب العامل يجب أن لا ينتظر رفع الحد الأدنى للأجر سنة بعد أخرى بينما ارتفع أجر المدراء التنفيذيين أعلى من أي وقت مضى".
جاء في بحث لمكتبة الكونجرس الأمريكي أن "البنية الطبقية في الأردن تشبه هرما "تجلس فوق قمته" مجموعة صغيرة ثرية"، و"في قاعدة الهرم طبقة أدنى كبيرة تضم أعدادا متزايدة من العاطلين عن العمل"، وفي "مناطق تتمدن بسرعة مثل عمان" العاصمة "بدأت العلاقة شبه الأبوية للأغنياء مع الفقراء بالانهيار وحلت محل قيم المساواة القديمة فروقات طبقية على أساس الدخل ونمط الحياة".
تقدر مراجع عدد العمال في الأردن، وهم جزء أساسي من "قاعدة الهرم" الطبقي، بأكثر من مليون ونصف المليون عامل لا يسمح النظام الانتخابي بأي تمثيل حقيقي لهم في الهيئات التشريعية. إن ظاهرة تزايد النقابات العمالية المستقلة الجديدة المرخصة وغير المرخصة خلال العامين المنصرمين دليل ملموس على أن النقابات واتحاداتها القديمة قد تحوّلت إلى تابع للنخبة الحاكمة والبرلمانية تفتقد ثقة قواعدها المفترضة بها. صحيح أن الاتحاد العام لنقابات العمال في الأردن سجّل سابقة بدخول الانتخابات الأخيرة لأول مرة بقائمة عمالية ومهنية منبثقة عنه، لكن عشرين مرشحا في القائمة بين (1425) مرشحا ومرشحة لا يعكسون الحجم الحقيقي للمفترض أن يمثلهم الاتحاد حتى لو نجحوا جميعهم، فكم بالحري وقد نجح رئيس القائمة فقط!
توجد وفرة تصل حد التخمة في مقترحات التغيير من أجل الإصلاح في الأردن، لكنها تنحصر في رؤية قاصرة على إصلاح ما يسميه الماركسيون "البنية الفوقية" القانونية والسياسية للنظام الاقتصادي، يدفن الجدل حول تفاصيلها تناول رؤية جذرية أكثر للبنية التحتية للإنتاج وملكيته وتبادله وتوزيعه وهي وحدها المسؤولة عن الوضع الراهن المأزوم اقتصاديا وسياسيا أزمة تجعل تغييره وإصلاحه مهمة يستحيل تأجيلها، ولأن البنية التحتية هي التي أفرزت نخبتها الحكومية والبرلمانية الحالية، فإن توكيل هذه النخبة، خاصة مجلس النواب، بمهمة التغيير والاصلاح كأداة لحل الأزمة فيه تناقض واضح يحكم مسبقا باستحالة نجاح أي مشاريع جذرية للتغيير والاصلاح.
إن إشادة وزير الخارجية الأمريكي جون كيري، أثناء استقباله الأسبوع الماضي نظيره الأردني ناصر جودة في واشنطن، بالانتخابات التشريعية الأخيرة بوصفه لها أنها كانت "علامة فاصلة هامة" لا يمكن تفسيرها بانفصال أمريكي عن الواقع بقدر ما كانت مباركة أمريكية لاجراء سياسي يحظى بمعارضة وانتقادات شعبية واسعة في الأردن.