الانتخابات التكميلية بحاجة لإشعار جديد من مجلس النواب

 

 
للمرة الثانية على التوالي يشغر مقعد نيابي في الفترة بين إعلان نتائج الانتخابات وبدء أعمال مجلس النواب، فقد سبق وأن شغر مقعد في مجلس النواب السادس عشر عام 2010 بعد وفاة النائب عن الدائرة الأولى في عمان المرحوم راشد البرايسة، حيث جرت انتخابات تكميلية في تلك الدائرة الانتخابية. وقد تكرر هذا السيناريو عام 2013 عندما توفي النائب المرحوم محمد عليان المحسيري عن الدائرة الثانية في عمان بعد إعلان النتائج وقبل اجتماع المجلس السابع عشر، وبالتالي أصبح من الضروري دستوريا إجراء انتخابات تكميلية في تلك الدائرة الانتخابية. إلا أن الاختلاف هذه المرة يتمثل في أن الأحكام الدستورية الخاصة بإجراء الانتخابات التكميلية قد تم تعديلها في الدستور الأردني عام 2011 حيث أصبحت المادة (88) من الدستور تنص على أنه "إذا شغر محل أحد أعضاء مجلسي الأعيان والنواب بالوفاة أو الاستقالة أو غير ذلك من الأسباب باستثناء من صدر بحقه قرار قضائي بإبطال صحة نيابته فعلى المجلس المعني إشعار الحكومة أو الهيئة المستقلة للانتخاب إذا كان نائباً بذلك خلال ثلاثين يوما من شغور محل العضو ويملأ محله بطريق التعيين إذا كان عينا أو وفق أحكام قانون الانتخـاب إذا كان نائبا، وذلك في مدى شهرين من تاريخ إشعار المجلس بشغور المحل وتدوم عضوية العضو الجديد إلى نهاية مدة المجلس".
إن الملاحظات الدستورية على المادة السابقة عديدة، أولها أنه يوجد ضعف واضح في الصياغة الدستورية يتمثل في عدم وضوح الجهة التي يجب على المجلس المعني أن يقوم بإشعارها في حال وفاة أحد أعضاء مجلس الأمة، حيث كان يفترض بالمشرع الدستوري أن ينص صراحة على أن يتم إشعار الحكومة في حال شغور مقعد في مجلس الأعيان، وأن يتم إشعار الهيئة المستقلة في حال شغور مقعد في مجلس النواب.
أما التساؤل الثاني الذي يثور فيتمثل في الحكمة من إعطاء المجلس المعني مدة أقصاها شهر لتقديم الإشعار الخاص بشغور محل أحد أعضائه، فهذه الفترة طويلة نسبيا ومن شأنها أن تؤخر إجراءات ملئ ذلك المقعد سواء بالتعيين إذا كان عينا أو بإجراء انتخابات تكميلية إذا كان نائبا حيث يملك المجلس المعني أن يؤخر تقديم الإشعار حتى قرب انتهاء مدة الشهر دون أن يكون ذلك الإجراء مخالف لأحكام الدستور. إن اشغال أي مقعد شاغر في مجلس الأعيان يتم من خلال تعيين شخص آخر بإرادة ملكية وفق أحكام الدستور، وهو الأمر الذي لا يحتاج مدة أقصاها شهر لتقديم الإشعار بحدوثه. أما في حال مجلس النواب وفي ظل نظام القوائم الوطنية، فإن اشغال المقعد الشاغر من نواب القوائم يتم فقط من خلال اختيار المرشح التالي حسب تسلسل ورود الأسماء في القائمة، وهو أيضا ليس بحاجة إلى مدة أقصاها شهر لتقديم الإشعار بشغور المقعد.
وقد شاءت الظروف أن شغر المقعد في مجلس النواب السابع عشر قبل اجتماع المجلس وانتخاب رئيسا له، فما كان من رئيس مجلس الأعيان إلا وأن قام بالإشعار المطلوب وفقا لأحكام المادة (88) بصفته رئيسا لمجلس الأمة بشقيه الأعيان والنواب.
إن النص الدستوري قد أناط مهمة التبليغ بكل مجلس على حدى ولم يسند تلك المهمة إلى رئيس مجلس الأعيان نيابة عن مجلس النواب. ففي ظل غياب رئيس مجلس النواب وفي ظل فترة الشهر الطويلة التي حددها الدستور للتبليغ بشغور العضوية في مجلس النواب، فقد كان بالإمكان أن يتم تأجيل الإشعار إلى حين انتخاب رئيس مجلس النواب ليقوم بذلك وفق أحكام الدستور خاصة وأنه لم يفصل بين تاريخ حدوث الوفاة والاستحقاق الدستوري بانتخاب رئيس مجلس النواب سوى بضعة أيام.
هنا يظهر التخبط في أروقة السلطة التشريعية، حيث سبق وأن صرح الأمين العام لمجلس النواب بأن إبلاغ الهيئة بشغور المقعد في مجلس النواب سيتم عقب انتخاب الرئيس مباشرة ما دام أن ذلك سيكون ضمن المدة الدستورية المحددة لتقديم الإشعار، إلا أن ذلك لم يحدث وقام رئيس مجلس الأعيان بتقديم الإشعار نيابية عن مجلس النواب.
إن توقيع الاشعار بشغور مقعد في مجلس النواب من رئيس مجلس الأعيان يشكل اعتداء على اختصاصات مجلس النواب وصلاحياته التي حددها له الدستور، ولا يرد القول أن رئيس مجلس الأعيان في ظل غياب رئيس مجلس النواب هو رئيس مجلس الأمة، ذلك أن الدستور الأردني لم يعترف لرئيس مجلس الأعيان بهذه الصفة، ولم يخاطبه أبدا بصفته رئيسا لمجلس الأمة، والأهم من ذلك أنه لم يمنحه أية صلاحيات رئاسية على مجلس النواب إلا في حال الجلسة المشتركة للمجلسين، حيث أسند المشرع الدستوري رئاسة الجلسة المشتركة لرئيس مجلس الأعيان استنادا لأحكام المادة (89) من الدستور. وبخلاف ذلك فإن رئيس مجلس الأعيان لا يملك أية صلاحيات دستورية على مجلس النواب تخوله أن يمارس مهام المجلس وأعماله في ظل وجوده.
إن الدستور الأردني قد أفرد أحكاما خاصة لكل من مجلسي الأعيان والنواب ولم يسمح بالتداخل في اختصاصاتهما، والأهم من ذلك أنه لم يجعل من مجلس الأعيان وصيا على مجلس النواب. بل على العكس من ذلك، فقد حابى المشرع الدستوري مجلس النواب وفضله على المجلس الأعيان باعتبار منتخبا من الشعب إذ أعطى الدستور الأردني الحق في حجب الثقة عن الحكومة بشقيها الجماعية والفردية والتصويت على البيان الوزاري لمجلس النواب وحده دون الأعيان. كما قرر الدستور الأردني تغييب مجلس الأعيان في الفترة التي يكون فيها مجلس النواب منحلا، إذ نصت المادة (66) من الدستور على أنه إذا حل مجلس النواب توقف جلسات مجلس الأعيان. فهذا الموقف المحابي لمجلس النواب من جانب المشرع الدستوري لا يمكن تفسيره بأنه قد أجاز لرئيس مجلس الأعيان أن يمارس الصلاحيات الدستورية المناطة بمجلس النواب والمتمثلة بتقديم الإشعار بشغور أحد مقاعده بسبب الوفاة أو الاستقالة.
إن على رئيس مجلس النواب المنتخب أن يبادر فورا إلى إشعار الهيئة المستقلة للانتخاب بشغور مقعد في المجلس النيابي وذلك لغايات بدء المدة الدستورية المحددة بشهرين لإجراء الانتخابات التكميلية خاصة وأن المدة التي حددها الدستور لتقديم الإشعار بشغور أي مقعد في مجلس النواب لم تنته بعد. كما أن هناك حاجة ماسة لمراجعة أحكام الانتخابات التكميلية في المادة (88) من الدستور وتأكيد الولاية الدستورية لكل مجلس في إدارة شؤونه الداخلية المتعلقة بشغور أحد المقاعد فيه، وأن يتم تحديد فترة زمنية أقصر لتقديم الإشعار الخطي وذلك لضمان اكتمال عقد مجلس النواب أو الأعيان وملء أي شاغر يحدث في عضوية أي منهما في أسرع وقت ممكن.
بقلم: د. ليث كمال نصراوين