غضب أمريكي شديد..!

 

 
قد يخطر ببال القارىء من العنوان أعلاه، أن هذا الغضب الأمريكي الشديد ربما هو تجاه انتهاكات روسية صارخة لاتفاقية الصواريخ العابرة أو تقليص الأسلحة النووية، أو ربما تجاه الصين لتهديدها باجتياح جارتها الوطنية، أو تجاه الاتحاد الأوروبي بسبب قرارات اقتصادية مستقلة تزعج العم سام، أو ربما بسبب حرب شنّتها إحدى الدول على جارتها الحليفة لأمريكا مثلا، أو ربما قد يخطر بالبال أننا أمام خطب كبير لا يصدق، وربما يكون هناك ما يهدد الولايات المتحدة أو المجتمع الأمريكي أو غير ذلك.
لكن لا يمكن أن يخطر بالبال أن سفير الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة "سوزان رايس"، هي التي أعربت عن غضبها الشديد بسبب لوحة مكتوب عليها "دولة فلسطين" كانت متواجدة أمام المكتب الفلسطيني في الأمم المتحدة، فصرّحت السفيرة رايس خلال جلسة لمجلس الامن "انه ليس من الداعي أن يكون لفلسطين دولة اذا كتب على لوحة بالمجلس"دولة فلسطين"، وان الولايات المتحدة تتعامل بمسمى السلطة الفلسطينية ولا تعتمد اسم "دولة" على أراضيها".
تصوروا...؟!
السفيرة الامريكية تنفلت غضبا بسبب لوحة "دولة فلسطين"، ولا تنفلت غضبا مثلا بسبب الجرائم الاسرائيلية المفتوحة الجارية على رؤوس الاشهاد على امتداد مساحة فلسطين، وهذه ليست المرة الأولى التي تغضب فيها الإدارة الامريكية أو حتى الكونغرس الامريكي بسبب حكاية الدولة الفلسطينية، التي لا يطيق أحد هناك أن يسمع بها، فالآذان الامريكية صماء لا تريد أن تسمع شيئا عن دولة فلسطين، فهي صنعت لتسمع فقط الرواية والمطالب الاسرائيلية، والعيون الأمريكية كذلك لا تريد أن ترى سوى الاسرائيليات، فأي رمز فلسطيني يبدو أنه يزعجها، فنستحضر هنا على سبيل المثال الغضب الامريكي الشديد والتهديدات الامريكية المنفلتة ضد الفلسطينيين إن هم توجهوا للأمم المتحدة للحصول على اعتراف دولي بدولتهم وشيئ من حقوقهم المعنوية..!
ففي المشهد الأممي تابعنا انحياز الإدارة الامريكية السافر الى الموقف الاسرائيلي، حيث اعتبرت الإدارة التوجه الفلسطيني عملا استفزازيا لـ"اسرائيل" ولن يسفر عن شيء حقيقي للفلسطينيين، فرفضت الولايات المتحدة خطط وطموحات الفلسطينيين للحصول على اعتراف بدولة مستقلة من جانب الأمم المتحدة، قبل التوصل الى اتفاق سلام مع اسرائيل، وهذه التسوية كما هو معروف باتت كـــ"حلم ابليس في الجنة"، وأكدت وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة هيلاري كلينتون "أن واشنطن لن تدعم أية خطوة فلسطينية أحادية الجانب ترمي لنيل اعتراف الأمم المتحدة بدولة فلسطينية، لأن حل الدولتين لن يتحقق الا بواسطة التفاوض-وتقصد هي كما تريد اسرائيل مفاوضات بلا نتائج وبلا نهاية-، والرئيس الأمريكي أوباما بدوره كان أكد أن "التصويت في مجلس الأمن لن يقيم دولة فلسطينية"، ونتابع كيف انتقل أوباما من وعده بإقامة الدولة الفلسطينية، الى معارضته على نحو سافر عدائي لا يصدق، التوجه الفلسطيني إلى الأمم المتحدة لطلب العضوية الكاملة، مشددا على الالتزام الأمريكي الذي "لا يهتز" بأمن اسرائيل، متحدثا بإسهاب عن "المعاناة اليهودية"، متجاهلا عقود المعاناة الفلسطينية تحت الاحتلال، مذكرا أيضا بـ"التهديدات المستمرة" التي تتعرض لها الدولة الصهيونية، مشددا أنه "لا طريق مختصرة لإنهاء الصراع المستمر منذ عقود... فالسلام لن يأتي عبر التصريحات والقرارات في الامم المتحدة"، وكأن هذا الطريق في بدايته ولم يمض عليه نحو خمسة وستين عاما منذ قرار التقسيم، أو 45 عاما منذ احتلال الضفة وغزة، مختتما بصيغة بوشية توراتية إذ قال: "عليكم أن تفهموا التالي أيضا: اسرائيل محاطة بجيران شنوا حروبا متكررة ضدها... أطفال اسرائيل يكبرون وهم يعرفون أن الأطفال الآخرين في المنطقة يتعلمون الحقد عليهم، إن اسرائيل دولة صغيرة، تنظر إلى عالم يهدد فيه قادة دول أكبر بكثير، بمحوها عن الخريطة... الشعب اليهودي يحمل ثقل قرون من النفي والاضطهاد"، فهل يصدق أحد إذن، أن قائل كل هذه العبارات التوراتية هو الرئيس الذي تعهد بإقامة الدولة الفلسطينية في ايلول الماضي قبل فقط...؟
يترسخ في الوعي الجمعي الفلسطيني والعربي والاسلامي والأممي يوما عن يوم، أن الـ "فيتو" الأمريكي يتربص دائما بالمشاريع والحقوق الفلسطينية، وأن لا أمل في أن يمر أي مشروع ضد جرائم الدولة الصهيونية في مجلس الأمن، بل يترسخ يوما عن يوم أن هذا الفيتو بمثابة إرهاب دبلوماسي سياسي ضد الشرعية الدولية والقانون الدولي، وضد القضايا والحقوق العربية، دفاعا عن الدولة الصهيونية.
هكذا هي الصورة والحقيقة، إنها امريكا الاسرائيلية، وما غضب السفيرة رايس على لوحة "دولة فلسطين"، الا تعبير عن عقلية وسياسة كأنها صيغت وكتبت بيد اسرائيلية...؟ فلم يبق عمليا من مصداقية للإدارة والسياسة الامريكية في القضية الفلسطينية والقضايا العربية الأخرى من مصداقية في الوعي الجمعي الفلسطيني-العربي، وتحتاج الإدارة الى الكثير من التغيير في سياساتها كي تستعيد ربما شيئا من مصداقيتها المهدورة ...؟! .