إذ تتناقض السياسات كما يباع البيض

«جيب معك كرتونة بيض»، ذلك صوت زوجتي عبر الهاتف مرة كل يومين، وكأننا لا نتناول سوى البيض، وإن كانت تعلم أنني اشتريته آخر مرة بأربعة دنانير للطبق لطلبت كيلو كنافة، فهي أوفر وتدخل السعادة إلى النفس.
لا اختلاف بين بيع البيض وخوض فايز الطراونة معركة تشكيل الحكومة البرلمانية بعد تكليف الملك عبدالله الثاني، فكيف يمكن تشكيل الحكومة من خلال مشاورات مع كتل نيابية تفككت بمجرد الانتهاء من انتخاب رئيس المجلس، وهي لم تكن موجودة أصلا لولا تلك العملية.
خوض الطراونة في مسألة التشاور مع النواب لن يجدي في الترويج بأن الملك يتخلى عن صلاحياته في تعيين الرئيس، كون المادة 35 من الدستور تنص على أن «الملك يعين رئيس مجلس الوزراء ويقيله ويقبل استقالته ويعين الوزراء ويقيلهم ويقبل استقالتهم بناء على تنسيب رئيس الوزراء»، وهو أمر واضح لا يمكن تجاهله، وإلا كان الأجدى بتعديل تلك المادة ليأخذ الموضوع شكلا قانونيا وموضوعيا قبل ذلك.
وفي بيع البيض كما هو شأن البحث عن رئيس الوزراء وأحجية من يختاره، فمزارعي الدواجن يهددون بانهيار صناعتهم في حال سمحت الحكومة باستيراد البيض من الخارج، في المقابل يتهم المستهلكون هؤلاء بالجشع ورغبتهم بتحقيق أرباح مجزية جراء عملية الاحتكار.
لكن كما هو واضح في الدستور وبما يتعلق بآلية تعيين الحكومات فإن أرقام الإحصاءات صريحة وتظهر وجود فجوة ملحوظة في إنتاج بيض المائدة الذي يرتفع ويقابله تراجع في كميات لحوم الدجاج المنتجة، والطبيعي أن يقترن زيادة البيض بزيادة أعداد الدواجن، وإلا فإن البياض منه يطغى في العملية.
تلك تناقضات غريبة، وتظهر مفارقة أخرى تتعلق بزيادة أسعار ارتفاع قيم الإنتاج لبيض المائدة رغم الزيادة في الانتاج، ونفهم أن الزيادة في سعر الدجاج اللاحم يكون بسبب نقص الانتاج، لكن لا نفهم أسباب نقص الانتاج في هذا الدجاج اللاحم وتراجع في أعداد الصيصان المنتجة من الفقاسات مع ارتفاع سعر بيض التفقيس، يقابل ذلك كله انخفاض في سعر الصوص.
الاختلالات السابقة لها علاقة بالقوانين بالنسبة لتعيين الرئيس وبمعادلة العرض والطلب التي تلعب دورا أساسيا في أي صناعة بالنسبة للبيض.
الخلل في إدارة السياسات في الدولة كما في إدارة صناعة البيض، فإما أن الدجاج الموجود أصبح كله منتجا للبيض لا اللحم، وإما أن الصيصان تموت قبل أن تشب وتورد لغايات الذبح لأسباب تتعلق بعدم الرغبة في التربية والرعاية، أما السيناريو الآخر هو أن التعامل مع صناعة الدواجن لغايات البيض وليس التربية، وهنا نسأل كيف يمكن تغييب دورة حيوية في مثل هذه الصناعة؟ كمن يطرح سؤالا تعجيزيا إن كانت البيضة أولا أم الدجاجة.
الحال لا يختلف كثيرا في تعاطي السياسات العامة للدولة مع ما يحدث على أرض الواقع، فهنالك من يريد بيض النسور، ما يستدعي تسلق الجبال، وأخر يرغب ببيض البط، وورد على لسان أهل البلد بيض الحمام والشنار والعصفور والنعامة، بل البعض بدأ يتحدث عن بيض بصفار أم صفارين، أما آخر فيريد أن يجتزئ حلولا ويستبعد أخرى في نظرة ضيقة ستجعله في النهاية ينتج البيض لا اللحم.