الإستحقاق...!

الإستحقاق...!

نبيل عمرو-عمان
-فاقد الدهشة من غير...!
---------------------------
-سبق قلنا ، لا تُتعبوا أدمغتكم في البحث عن معنى أو مغزى أل ""من غير"" هذه ، فهي جملة مضامين مُبهمة وسر خفي من أسرار الواقع المعاش ، يحق للجميع تفسيرها حسب حاجاته وبفهمه الخاص ، وعليه لا تستهجنوا ما يهذي به فاقد الدهشة حين تُصيبه هذه الآفة ، التي باتت لازمة في ترانيم الحياة العربية ، وخاصية خوف ، إرباك ، تخبط وضياع في الإيقاع السيمفوني النشاز الذي أتى به لنا الخذلان العربي وشعاراته الرنانة المُفرغة المضامين، وهي الحالة التي أطاحت بما يُسمى الربيع العربي ، وأودعته دهاليز الفوضى غير الخلاقة ، وجعلت منه ميدانا رحبا للمزايدات ، فأتاحت لأعداء الأمة فرصة التلاعب بالأولويات التي طالما تاقت إليها شعوب الأمة ، والتي أبرزها الحرية ، الديموقراطية ، حقوق الإنسان ، حقوق المرأة ، الحق ، العدل ، المساواة ، وسيادة القانون على الجميع ، في دول ذات طابع مدني ، عصري ناجز ، تخلو من هيمنة فئة على أخرى وتحت أي مسمى ديني ، عرقي ، مذهبي ، طائفي ، قومي أو جهوي.
-نحن مجرد كذبة نتلّهى بها يوم صدقنا أننا أمة موجودة على خارطة العالم ، فيما نحن في واقع الحال من غير ، نجتر إحباطاتنا ونعيش في الوهم ونسبح في الخيال ، أسرى لماضينا وتوقف الزمن فينا عند نقطة الدواران حول أنفسنا ، فأصبح حاضرنا يترنح ومستقبلنا مجهول ، ولا أريد القول إبتلعه الغول.
-"" ما ضاقت أرض بأهلها ،،، لكن أحلام الرجال تضيق""
-----------------------------------------------------------
-صديقي اللدود فاقد الدهشة ، ضاق صدره وتبددت أحلامه ، وأعلنها صراحة ، أنه جاء في هذا الصباح ليبق البحصة في وجهي ، وفي وجوه من يعتقدون بإمكانية أن تخرج هذه الأمة من زمن اليُباب والقحط الفكري ، أو أن يأتي يوم تُعالج فيه أمراضها وتستعيد عافيتها ، وهذا لن يحدث ما دام فينا من يؤثر أخاه ، صديقه أو قريبه الفاشل ، الفاسد أو العُصابي على حساب الوطن وعلى مصالح الشعب ، الأمة ومستقبل الأجيال.
-رفض فاقد الدهشة تدخلي في خطاب حالة الإتحاد ، الذي يوجهه اليوم لأمة من غير...! وكاد يصفعني حين إستنكرت هذيانه ، وقلت له ، ما هذه الخربطة ، وهذا الإسفاف وقد بتنا قاب قوسين أو أدنى ، لنواجه إستحقاقا تاريخيا وإستراتيجيا ، يأتينا به سيد البيت الأبيض خلال الشهر القادم ، وحين ذلك سيضع الأردن وفلسطين في خُرم إبرة اليهود ، ليخيطوا من خيبتنا ثوبا يجري تفصيله على مقاسهم ، مُزخرف بالمستوطنات والإشتراطات ، وأنت يا لعين تهذر وتبطرم بغير وعيّ ، وتنسى أهمية وضرورة الإعداد والإستعداد لمواجهة تداعيات هذا الإستحقاق المفصلي ، ومانزال منقسمون على أنفسنا كفلسطينيين وفلسطينيين ، وكأردنيين وفلسطينيين ، وأردنيين وأردنيين...!
-يبدو أن اللحظة التي أمضاها اللعين مستمعا ، مستمتعا برشف القهوة ونفث الدخان ، قد هدَّأت لُجاجته وسكَّنت حمأته ، ومن ثم تنحنح ، وتساءَل : ماذا لو شهَّد محمود عباس وخالد مشعل على وطنيتهما ، رجولتهما وعقلانيتهما ولو لمرة واحدة ، ومن ثم تجاوزا خلافاتهما حول التفاصيل لما يُسمى المصالحة الفلسطينية البينية ، وقتلا الشيطان الكامن في هذ التفاصيل ، وإتفقا على موقف واحد يسحبان به خيط الخيبة العربية من الإبرة اليهودية ، وليستبقا مجيئ أوباما ومؤامراته على الفلسطينيين ، الأردنيين ، العرب ، المسيحيين والمسلمين ، قبل أن يُدمغج علينا هذا الأوباما ، بصفته حبر السياسة اليهودية الأعظم...! ، ومن ثم يذهب بنا في متاهات المفاوضات ، فيأخذنا الضياع بين سمسار وبياع ، ولأجل غير مسمى تزداد خلاله إنقساماتنا ويتضاعف تشرذمنا وتفتتنا ...؟
-لم يُتح لي صديقي اللدود فرصة الكلام ، وقد تفتحت قريحته ، واستمر يتساءَل ،،، ماذا لو وقف هذان البطلان ""عباس ومشعل"" أمام أجهزة الإعلام العالمية ، مدعومان من قوى التأثير والفعل الفلسطينى ، الأردني ، العربي ، المسيحي والإسلامي، وأعلنا موقفا فلسطينيا حاسما مؤطرا بجملة محددة ""دولة فلسطينية مترابطة ومستقلة ، على كامل الأرض الفلسطينية عام 1967 ، عاصمتها القدس الشرقية ، خالية من أية مستوطنات كبُرت أم صغُرت ، أو فتح فلسطين التاريخية للعرب واليهود على حد سواء ، ليعيشوا في دولة علمانية واحدة...؟"" ، وما دون ذلك سنترك الأمر للشعب الفلسطيني ، العربي والإسلامي ، ليحددوا خياراتهم تجاه سبل إستعادة حقوقهم في فلسطين التاريخية ، وبالأدوات الكفاحية التي يرونها مناسبة.
-ما أن إنتهى فاقد الدهشة من خطابه ، وعاد يستمتع بلذة القهوة والتدخين ، ليفاجأني بالقول مجددا ، ألا تعتقد أن مثل هذا الفعل إن تم سينقذ الأردنيين والفلسطينيين ، كما أنه سينفض بعض الغبار عن العرب المسيحيين والمسلمين ، ويسحب البساط من تحت أرجل النتن ياهو وكبير حاخامات يهود المدعو باراك أوباما، ويضع شعوب العالم وأحراره أمام مسؤولياتهم ، ويُعيد لأحرار الأمة الأمل في ربيع مزهر...؟
-أعجبتني عقلانية فاقد الدهشة ورزانته ، وهذا دعاني لأستوضح النتيجة التي يوَّد الوصول إليها من هذه الخُطبة العرمرية قبل أن تنتهي المحددة لزيارته ، لكنه كالعادة لا يُعوَّل على مزاجه المتفلب كتقلبات الطقس في شباط ، تتراوح أيامه بين الشمس الساطعة وشدة الأمطار ، فسرعان ما غادرني وطار.
نبيل عمرو - صحفي أردني
nabil_amro@hotmail.com