المسيحية الأردنية الفلسطينية، غياب أم انفصال ؟

 

 
شهدت الكنيسة المريمية في القصاع بدمشق، الأحد الماضي، قداسا تاريخيا، أُعلنَ وحدة المسيحية المشرقية، وحسم توجهها السياسي في الاتجاه العروبي العلماني التقدمي المقاوِم. كانت المناسبة هي تتويج يوحنا العاشر اليازجي، بطريركا لأنطاكية وسائر المشرق للروم الأرثوذكس، بحضور غريغورس الثالث لحام، بطريرك الروم الكاثوليك، ومطارنة يمثلون بطركيتيّ السريان والأرمن، لكن الحاضر الأبرز كان رجل العروبة في لبنان، الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، بطريرك الكنيسة المارونية ( الكاثوليكية)، جاء من مقره في بكركي إلى دمشق، حاملا رسالتين، رسالة وحدة المسيحيين المشرقيين، ورسالة التضامن مع شعب سوريا ودولتها ضد الإرهاب والتدخل الأجنبي ومن أجل المصالحة والسلام.
نحن، إذاً، نشهد ميلادا جديدا للمسيحية العربية في سورية ولبنان والعراق، يتجاوز خلافاتها الداخلية، ويعيد تموضعها السياسي، ويعبر عن ثقلها الديموغرافي والاجتماعي والثقافي، ودورها في اختراق الحدود الكيانية نحو وحدة المشرق.
حدثٌ تاريخي يفتح آفاقا جديدة ليس فقط أمام المسيحية العربية، وإنما، أيضا، أمام الإسلام العربي للخروج من النفق المظلم للانقسامات المذهبية التي تسيل دما في سورية والعراق وتهدد لبنان، بين أبناء المشرق العربي من سنّة وشيعة وعلويين، المسلمين الذين توجه إليهم البطريرك اليازجي في أول كلمة بطريركية له، في دعوة الوحدة في الوطن والقومية والإسلام والإنسانية.
حدثٌ اهتزت له سورية ولبنان، لكنه غاب عن الأردن وفلسطين بقدر الغياب غير المفهوم لبطاركة الكنائس الأرثوذكسية والكاثوليكية في البلدين، ومقرّها القدس. ولم تغب كنائس الأردن وفلسطين، وحدها، عن قداس دمشق التاريخي، بل غابت الشخصيات الأردنية ـ الفلسطينية المعنية، وممثلو المملكة وأحزابها والسلطة و فصائلها.
ونحن لا نتحدث، هنا، عن مخاطر انعزال المسيحيين في جنوب سورية عن أشقائهم في شمالها، فقط، ولكن عن مخاطر ذلك الانعزال، على الأردن وفلسطين. ومنها، أولا، مخاطر الانفصال الجيوبولوتيكي للبلدين عن المدى المشرقي العربي وتحالفاته الإقليمية والدولية، وثانيا، النأي بمسيحيي الأردن وفلسطين عن الخط الصاعد للمسيحية العربية، وثالثا، تكريس انفصال فلسطين والأردن عن المشرق، ووقوعهما في السياق الاستراتيجي الأميركي ـ الإسرائيلي. وهو، بالذات، سياق تصفية القضية الفلسطينية نهائيا، واستيعاب نتائجها في الأردن في إطار الهيمنة الإسرائيلية، ورابعا، الاعتراف الضمني المؤسف والمهين بالتخلي عن عروبة القدس، واعتبارها مجرد بند تفاوضي مع الإسرائيليين .