الإصلاح أم المشاركة في الحكومة؟!

 الرسائل التي حملها خطاب الملك في افتتاح جلسات مجلس الأمة، قبل أيام، وما رشح من تصريحات مفسرة وشارحة بعد ذلك، تفتح ثغرة في جدار القطيعة بين الحكم والمعارضة الاصلاحية، فالحديث عن إعادة إنتاج قانون الانتخابات بما يحقق عدالة أفضل في تمثيل القوى والرؤى السياسية والاجتماعية، وبالتوازي الحديث عن ضرورة سن تشريعات ناظمة لتطوير عمل المؤسسات والعمل الوطني، والتي فسرها البعض، بأنها إشارة للتعديلات الدستورية، ثم التأكيد على انتهاج آلية جديدة في تشكيل الحكومات تعتمد التشاور مع الكتل النيابية، كخطوة بين يدي إنضاج صيغة الحكومة البرلمانية، والاشارة الى ضرورة استقرار واستمرار عمل البرلمان والحكومة، لمدة أربع سنوات، ما دام كل منهما يحظى بالشرعية الشعبية في حالة البرلمان، والشرعية النيابية في حالة الحكومة. كل هذه الاشارات وسواها، ان كانت مقصودة وموضع اعتبار، فمن المؤكد انها تفتح طريقا للمستقبل، خصوصا اذا ما تم البناء عليها، وتوافرت الارادة لترجمتها واقعا على الارض.
ولعل استحضار محاورات الامس القريب، والتي لم تكن المسافات فيها بين الفرقاء، الحكومة والمعارضة الاصلاحية، عصية على الاحتواء لو توافرت عوامل الثقة والمرونة السياسية الكافية، تجعلنا أكثر ثقة في ان محاولة الجسر بين الرؤى المتباينة، عملية ممكنة اليوم باكثر مما كانت في الماضي.
فالمعارضة الاصلاحية في آخر صياغة عملية لمطالبها، كانت تتحدث عن قانون انتخابات وطني يستجيب لمتطلبات المرحلة الاصلاحية، وبمفردات مفهومة وموضع قبول واسع، وتعديلات دستورية محددة، مرتبطة بثلاث مواد، تتعلق بآلية تشكيل الحكومات، ومجلس الاعيان، وتحصين المجلس النيابي من الحل. وبما أعلم ان ثمة صيغ منطقية متوازنة لمجمل التعديلات الدستورية طرحت، وكان يمكن التوافق عليها، ولكن سياسة كل شيء او لا شيء، التي تشبث بها الطرفان صعبت المشهد وانتهت بالامر الى العودة الى نقطة الصفر. واليوم بعدما زالت او تراجعت الكثير من هواجس النظام وهواجس القوى الاصلاحية، يبدو الطريق مفتوحا للانخراط في حوار واضح الاجندة والمآلات، وفي النقاط المحددة موضع الاختلاف.
 فالتقدير ان القوى الاصلاحية اليوم، بما فيها الحركة الاسلامية، لا تعطي كبير اهتمام للمشاركة في الحكومة القادمة، ولا تعتبر هذا مدخلا مناسبا ينسجم مع ما التزمت به من رؤية سياسية/إصلاحية، وما هو معتبر ومقدر عند هذه القوى، إنتاج معادلة إصلاحية حقيقية تجيب عن أسئلة الحاضر والمستقبل.
 ومن الجهة الاخرى أنتجت الانتخابات مجلسا نيابيا لا يتوقع ان يحل غدا او بعد غد، الا ان الالتزام الملكي القديم الذي جددته الاحاديث الاخيرة، يطرح وجود إرادة للاقتراب اكثر فاكثر من المطالب الاصلاحية.. فهل يمكن ان نرى قريبا حوارا وطنيا جادا واسع التمثيل، لصياغة اتفاقات محددة على كل ما فشلت فيه حوارات الامس، وبعيدا عن ضغط الانتخابات والخوف من المستقبل؟.
الاولوية السياسية الممكنة اليوم إنتاج معادلة الاصلاح، وليس تحقيق المشاركة في الحكومة، والظروف مهيئة اذا صدقت الارادة والنوايا، وليس مهمًا اذا ما احتاج الامر لمدى زمني لانجاز ذلك، توافقا على الصيغة الاصلاحية الملائمة، او لترجمة هذه الصيغة بصورة عملية على الارض.
 فأن تبدأ الآن خير من الا تبدأ أبدا... وان تأتي متأخرا خير من ألا تأتي مطلقا.. ولا حجة للحكم للحديث بعد ذلك عن إصلاح متدرج، لا يرى منه الناس إلا ظلالا باهتة وأحاديث لا تترجم عمليا إلى حقائق سياسية على الأرض.