البنّا حسن



كثيرون يولدون ويمضون دون أن يشعر بهم أحد . رغم أن أعمارهم بقياس الزمن تعتبر طويلة . 
وقلّة هم الذين يستمر ذكرهم بعد أن يذهبوا . تذكرهم الأجيال ، فلم يعيشوا لأنفسهم فعمّ نفعهم وخيرهم . 
لقد كان حسن البنا من هذه القلّة والذي امتدّ أثره ليبلغ القارات ويتردد اسمه مع البناة الخالدين .
هذا النوع من البشر تميّزوا بصفات جعلت أفئدةً من الناس تهوي إليهم . وَوُضع لهم القبول في القلوب ، وهذا من عاجل البشرى للإنسان المخلص .
لقد أحدث حسن البنّا نقلة نوعيّة في الدعوة الإسلامية ، يعرفها كل من قرأ وتابع أحوال الناس في عصره ، ولا ينكرها إلا جاحد أعمى البصيرة أعمى البصر . فنقل الدّعوة إلى المقاهي والمزارع والمصانع والشارع والبيوت والمنتديات بعد أن كانت حصريّا للمساجد وأئمّتها . 
كان الناس يتنازعون ويتجادلون حول مسائل فقهية تُشغلهم عن عظائم الأمور ومصاعب الحياة ، تُفرّقهم خلافات مذهبية في فروع الفقه ، لا يُصلي أحدهم خلف إمام إن كان يُخالفه في المذهب . 
كان العلم الشرعي حكراً على علماء يُقدّمون الإسلام بأسلوب جاف وبكلام متقعّر غير مفهوم للعامّة . فنشر العلوم الشرعية للعامّة ، فأصبحتَ تجد الطبيب والمهندس والعامل والإنسان البسيط مهما كانت ثقافته يستطيع أن يُحدّثك عن الإسلام وتعاليمه بأسلوب سهل تفهمه مختلف الطبقات . 
ولقد كان التّديّن لكبار السن ومن انقطع أملهم في الحياة . والمساجد تشكو من الهجر، فأصبح الشباب من روّاد المساجد فعمروها بالعبادة ومختلف الأنشطة الثقافية والعلمية والدعوية والتربوية والرياضية . فعاد للمسجد دوره الريادي الأصيل في المجتمع . وانتشرت مظاهر إسلامية كاللحية واللباس الشرعي والفن الهادف . وإحياء السنن كليلة القدر وصيام النوافل وزاد الإقبال على الحج والعمرة خاصة من الشباب . 
ومن مزايا الرجل انه نشر الوعي الإسلامي بقضايا الأمة والفهم الشامل للإسلام وانه ليس عبادات فقط وإنما معاملات أيضا وسياسة واقتصاد واجتماع ، وانه دين يشمل كل نواحي الحياة وأنشطة المجتمع ،دنيا وآخرة . 
لقد أحيا في الأمة روح الجهاد بدرجاته وهو أعلى سنام الإسلام الذي ما تركه قومٌ إلا ذلّوا . فكانت المشاركة في المقاومة ضد الاحتلال البريطاني ثم في فلسطين . وكان الثّبات على الحق والصّدع به والدفاع عنه وتحمّل تبعاته ، ما ساعد على إبقاء جذوة الأمل في النفوس بأن المستقبل لهذا الدين العظيم . 
إن الفهم الوسطي للإسلام وتقديمه بفهم صحيح بعيدا عن الغلو والتطرّف والسطحية والميوعة والشكليّات من بركات هذا الرجل والذي جعل من هذا الدين العظيم وأتباعه يتواجدون في قارات العالم المختلفة . وانتشرت حركة تأليف واسعة في مختلف فروع الدين وجزئيّاته ، ساهمت في نشر الوعي الديني . 
إن مآثر الأمام الشهيد كثيرة ، فلقد بنى حسن البنّا فأحسن البناء ، وأبدع في تأليف العقول وتآلف القلوب رغم قِصر عمره فجزاه الله خيرا وأحسن إليه وتقبّله في الشهداء والصالحين .