تعدّديّة أم حرّيّة ؟

 

 

التعدّديّة بمختلِف أشكالها ضرورة في كلّ مجتمع. فهي تنعش الدولة، وتضخّ فيها خبرات ومهارات وأفكارًا وأبعادًا ترفع من مستواها وتُعلي من شأنها.
لكنْ، شتّان ما بين التعددية عندما تكون معتدلة، تقبل الآخر وتحاسبه فقط على إنتاجه وإخلاصه للوطن؛ وعندما تكون متطرّفة ومنغلقة على نفسها، لا تقبل الآخر وتنكر وجوده أو تقلل منه! فتلك الأخيرة لا تجلب إلا مزيدًا من الكراهية بين أفراد المجتمع الواحد.
يعيش الأردنيون جوّا ديمقراطيًا في ظل القيادة الهاشمية عن طريق الانتخابات البرلمانية قولاً وفعلاً؛ رغم ما شابَها من بعض الإخفاقات. كما أن الاحترام المتبادَل بين المسلمين والمسيحيين يعكس صورة إيجابية إلى أبعد الحدود. ويقود هذا النهجَ المركزُ الأردني لبحوث التعايش الديني، والمعهد الملكي للدراسات الدينية. ولم يشعر مسيحيو الأردن يومًا في ظل القيادة الهاشمية بالقهر أو الإقصاء. فقد خدم في الدولة الأردنية شخصيات مسيحية شهد لها القاصي والداني بالكفاءة والإخلاص والنظافة؛ مثل: بشارة غصيب، وصالح المعشر، ويعقوب معمّر.. وغيرهم. ولم يكن هؤلاء يومًا إلا عنصرًا فاعلا في جسم الدولة الأردنية.
استفزّني ما جاء في ندوة دينية حوارية على شاشة التلفزيون الأردني؛ إذ قال مُقدّم الحلقة إنه من باب الحرية أن تجد وزيرًا مسيحيًا في الحكومة الأردنية؛ لكنْ لا تجد وزيرًا مسلمًا في الحكومة الأمريكية. كما أشار إلى عدم السماح لمن يرغب من المسيحيين في اعتناق الإسلام.
لم أشعر في حياتي بالإهانة كمسيحية أردنية مثلما شعرت عند سماعي لهذه "المقارنة" من جانب مُقدم الندوة. فهل يُعقل تشبيه وجود المسيحية في الأردن بوجود الإسلام في أمريكا؟ وهل يقاس تاريخ الدولة الأردنية بتاريخ أمريكا؟ المسيحيون عاشوا في بلاد الشام منذ أن جاء السيد المسيح إلى هذه الأرض، ولم يهاجروا إلى الأردن طلبًا للعلم أو العمل. المسيحيون في الأردن هم تاريخ وحضارة وكيان فاعل في الدولة الأردنية؛ ولا تُقاس مكانتَهم فيها بالعدد السكاني فقط، على أهميته.
المسيحيون العرب الأردنيون أخلصوا وانتموا لهذا الوطن، ولا تقلّ أردنيتهم عن غيرهم من أبناء الوطن. فهم يقولون: هذه أرضي، وهذا بلدي.
لذلك، فعندما يُعطى مقعد مسيحي في مجلس النواب أو حقيبة وزارية واحدة أو أحيانا اثنتان، لا يعدّ ذلك مِنّة أو معروفًا؛ وإنما هذا حق تاريخي سياسيّ أصيل.
لا يجوز أن ننتقدَ المسيحيين لعدم قبولهم اعتناق بعض أفرادهم للإسلام بحجة الحرية الدينية؛ لأنه بالمقابل لا أعتقد أن المسلمين يقبلون لفرد منهم اعتناق المسيحية من باب الحرية الدينية أيضًا.
ما أريد التركيز عليه هو الرفض القاطع للعمل الممنهج الهادف إلى تقليص الكيان المسيحي في الأردن من طرف بعض الجهات، أو محاولة إضعافه أو حتى إلغائه التدريجيّ.
أرجو أن يكون الاحترام المتبادَل قائمًا بين أفراد المجتمع الواحد، وأن تكون التعددية الدينية في الأردن نموذجًا للسلام والوئام في الدولة الأردنية الهاشمية التي تحتاج منا جـــــميعًا جهدًا جبارًا كي تبقى ثابتة راسخة أمام الصعوبات والتـــــحديات .