الكتل النيابية فشلت في الامتحان

 

 
كشفت انتخابات رئاسة مجلس النواب هشاشة الكتل والائتلافات النيابية .
سقطت الكتل النيابية في أول امتحان لها أمس الأول، وبعد أقل من ساعتين من دعوة جلالة الملك للنواب والأعيان بتحمل "مسؤولياتهم التاريخية في إنجاح مرحلة التحول الديمقراطي" والوصول إلى "استقرار نيابي وحكومي يتيح العمل في مناخ إيجابي لأربع سنوات طالما ظلت الحكومة تحظى بثقة المجلس النيابي وطالما حافظ المجلس على ثقة الشعب.
فقد كشفت انتخابات رئاسة مجلس النواب عن هشاشة الكتل وفوضى في الائتلافات النيابية التي لم يصمد أغلبها أمام صندوق الاقتراع لانتخاب رئيس المجلس ونائبيه، لا بل أن كتلة مثل "الوسط الإسلامي" التي كانت تعتقد أنها محرك رئيسي "خرجت من المولد بلا حمص" بعد أن فشلت في تأمين أصوات لمرشحها لمنصب الرئيس محمد الحاج الذي لم يحصل من الائتلاف النيابي الثلاثي الذي كان يدعمه إلا على 54 صوتا من أصل 70 نائبا هم أعضاء الائتلاف المكون من ثلاث كتل.
وفي الوقت نفسه حقق سعد هايل السرور فوزا كبيرا رغم أنه مستقل ولا ينتمي إلى كتلة، وكان واضحا أن فرصة محمد الحاج ستكون محصورة في الجولة الأولى، فإذا لم يفز فإنه من الصعوبة أن يتمكن من الحسم في الجولة الثانية،لأن الكتل الأخرى يكون لها دور خاصة أن التنافس بين الحاج والسرور كان به طرف خفي هو رئيس مجلس الأعيان طاهر المصري الذي كان سيفقد منصبه إذا فاز الحاج، فهناك من صوَّت ليس فقط لصالح السرور بل لصالح بقاء طاهر المصري في منصبه.
ولم يكن وضع الكتلة الكبرى "وطن" بأحسن من زميلاتها، فقد ظهر الخلاف داخل الكتلة عندما ترشح ثلاثة من أعضائها لمنصب النائب الأول (عطية،بكار،هميسات) وكادت أن تجرى جولة الإعادة بين اثنين من الكتلة نفسها لولا انسحاب البكار لصالح زميله عطية. وكانت المفاجأة الكبرى عندما دعا رئيس الكتلة عاطف الطراونة إلى تزكية محمد الحاج نائبا للرئيس رغم أن ثلاثة من أعضاء كتلته ترشحوا للمنصب، وفهم موقف الطراونة على أنه محاولة لمنع تشقق كتلته، وكذلك فوجئ أعضاء كتلة التجمع الديمقراطي بترشح العضو فيها يوسف القرنة لمنصب الرئاسة (قبل أن يعود للانسحاب)، رغم أن الكتلة متفقة منذ أيام على ترشيح مصطفى شنيكات.
فهل تعلمت الكتل من درسها الأول؟ وهل ستبقى الكتل هلامية ؟ كيف سيقيِّم الناخب هذا الأداء؟
لا مجال أمام مجلس النواب إلا باستعادة الثقة الشعبية المفقودة والمحافظة على هيبة المؤسسات الدستورية لا سيما أن جلالة الملك حدد أمس مهام السلطتين التشريعية والتنفيذية، ووضع الكرة في مرماهما، مقسما الأدوار بوضوح، وطالبا من كل طرف أن يقوم بدوره فيكون مجلس النواب ممثلا حقيقيا للأردنيين والأردنيات ويحمي مصالحهم ويدافع عن حقوقهم، ويمتثل لمساءلة المواطنين في أداء أمانة الرقابة والتشريع، وفي الوقت ذاته تقوم الحكومة بعملها بكل شفافية وانفتاح ومؤسسية.
المطلوب من مجلس النواب أن يستعيد ثقة الناس بالعملية السياسية، وأن يقول لهم إن تدافعهم على صناديق الاقتراع لم يذهب سدى، بل إن "النواب" سيكونون عند حسن ظنهم وظن جلالة الملك بأن المجلس النيابي سيكون "محطة على طريق التحول الديمقراطي والإصلاح الشامل"، وبخلاف ذلك سيجد النواب أنفسهم في مواجهة مع قواعدهم الانتخابية، وسيجدون أن شعار "إسقاط المجلس" سيعود من جديد ليس فقط من خلال "المقاطعين" بل من خلال "المشاركين".
لا نريد من النواب إلا أن يقوموا بواجباتهم، وأن لا يجاملوا الحكومة بل أن يراقبوها بعين المواطن الذي فوّضهم بحمل مصالحه وقضاياه إلى مجلس النواب. لا نريد من الكتل النيابية إلا أن تجيد العمل البرلماني كعمل جماعي منظم قائم على البرامج الملزمة وليس عملا فرديا عشوائيا، كتل نيابية قادرة على أن تكون ندا للحكومة لا تابعة لها .