متهمون بالحق

متهمون بالحق



على طول ساحل البحر الأبيض المتوسط أناس طيبون جدا، يحبون الحياة، و هي بدورها تنسج لهم أيامهم بكل ما وجدت من تقوى في قلوبهم، فتراها تغازلهم بنغمات الأمواج، و تحكي لهم أساطير المغاوير من البشر، بينما الإنسان يأخذ قيلولته المعتادة في حضن سيملي البريئة. قد تبدوا للوهلة الأولى أنها قصة من مشاهد الزمن، و لكن بعد جلاء الدهشة يستيقظ الضمير على وقع ما يوجد بين أيادي الواقع من وجهة نظر الوقائع، و عبر فضائيات رئيس تحريرها فيلسوف متذمر، هو موزع ابتسامات واضحة المرسم، و جميلة التعبير بالحبر الذي سكب على ورق المعاهدة، و التي ضاق بها البحر المتوسط، يُكتب ما حدث في حضن فاتنة الفكر حينا، و قابضة الحظ أحيانا أخرى. لربما هو قيد الزمان، و لربما هو جشع الإنسان! و لربما هي من خبايا الاطمئنان!

"…. هذه الجوهرة
كان لي من أشعتها
في ظلام الليالي سراج
هربت من يدي
وعلى حجر الصدق طارت شظايا
فيا لي من أبله كان يعبد آلهة من زجاج…."
موسكو 22/2/1990‏


الظلام الذي ينشره عبّاد البشر أعتم من ظلام الليل في الليالي الظلماء، و هو الحاجب لنور العيون الموجودة في الصدور بصورة رهيبة، و على هذا الأساس تاهت الكلمات التي تعبّر عن مفردات الحقيقة، فراحت تنسحب من الوجود، لتظهر في أثواب أخرى، فتارة كانت على شكل طعام لخفافيش الجزائر العتيقة، و تارة كانت عبارة عن حاشية على متن قصيدة عميقة، و تارة أخذت لون ظهر سلحفاة ترقص في فرح حسناء المنطقة، لأنها حال أخذناها من أنفسنا، و رضينا بها كما لو كانت وحيا من أناجيل الملائكة.

من غير اللائق أن لا نفهم سبب وجودنا في هذه الحياة، و من غير المقبول أن نسير إلى الأماكن التي نجهل وجودها، و من هذا الأساس نستطيع تكوين أنصاف الرؤى، على أنها بدايات، و على أنها أعتق من أن نؤمن بها، لأنها لا تستطيع الدفاع عن وجودها سوى بما هو موجود في نظامنا الفكري القويّ، فيولد الأمل من اللا-أمل، و يخرج الأصل من اللا-أصل، و نسير على اللا-مسير، لربما نفهم من نكون، أو لماذا نحن كائنات؟

فعندما يدور بعض سكان البشر في ثنائيات بالية، كالتي تشكل (الأصالة، المعاصرة)، (الحداثة، التراث)، (الدين، العلمانية)، يكون الجزء الآخر من سكان هذا الكوكب يبحث عن المعجزات في عقول أفراد أمته الباحثة عن التمسك بالقمة، فماذا يمكننا أن نسمي هذا بغير الغباء في أغبى حالاته؟
"….كالوشم
أولئك الذين لا يموتون يعيشون
يعيشون إلى الستين، إلى السبعين
يفجعون، يكتبون، على عجلٍ، مذكراتهم
يتعثرون في سيرهم
وأنا أحدق في ملامحهم
بنظرةٍ ثاقبة…."
زامير فالييف


طبعا عرب الجزائر و الدول العربية كلها في القرن الواحد و العشرين هي كالوشم تماما، وشم في هذا العالم الفسيح، فالوشم لا يتكلم، و لا يفكر، و له سكوت عميق للغاية، لا يفهمه الآدميون، و لكن سكوته لا يدلّ عن حكمة، فهو علامة عجز، أدى بصاحبه في إحدى لحظات عمره الطويل إلى أن يتحمل ألم الحصول على وشم، يسبب له انتقادا لاذعا من مجتمع أخرس، و يعذب ضميره كلما نظر إليه، حالة تكاد تطابق حالة العرب في حوارهم مع المجتمع الدولي، مع القليل من اللياقة.

دقات على باب التاريخ نسمعها، فنفكر في أنّ الآلهة تريد أن تكون معنا، ضدنا! لا يهم، ما دامت أنها أتت، ثمّ بعد ذلك تحمل وشاحها الكبير و ترميه على الباب، لتنصرف دون ضجيج.

الإنسان هو قيصر بتعبير الزمن الضائع، و القيصر هو إنسان بتعبير الفلاسفة، و بين المصطلحيْن أغاني لا يسمعها إلا من له عقل يعمل كمحرك المرسيدس، أو له حلم يريد أن يجعل منه أحداثا للمستقبل، هكذا صرح دم الجنود الرومان بكلمات المجد من منابر نيويورك تايمز و ذو صان، فوصلت رسائلهم العالم دون تناس منه.

لكل بلاد زيفها، و البقع المزوّرة لا تحمل معاني التغيير القريب، فحين يستشري القديم في الحديث تولد الرداءة من رحم الأمّ العاقرة، و أكبر الشهود على أقوام ميتة الفكر أفكار، تصنع منهم دمى، يستعملها سفهاء الأمم التي تحترم أفرادها، ثم تلقي بها في آلات تصفية قمامات الحضارة.

السيّد: مــــزوار محمد سعيد