ملاحظات حول قائمة أبناء الحراثين

   
لم أشارك، شخصيا، في الانتخابات النيابية، لكنني دعمت، بما أستطيع، قائمة أبناء الحراثين. ورغم أنني بذلت جهدا في تنسيق بلورة القائمة، فهي خاضت معركتها ونهجت نهجها بصورة مستقلة عن أي قيادة سياسية. وربما أضعفها ذلك انتخابيا ـ لغياب الخبرة وتصنيف الأولويات في ظل شح مالي شديد ـ ولكنه أفادها لكي تتبلور كحركة تصعد من أسفل، ولا تهبط من فوق؛ أي أنها تتأسس في قلب المجتمع.
حصلت القائمة على حوالي تسعة آلاف صوت، ولم تستطع، بالتالي، كسر الحاجز. وهو فشل انتخابي نجم عن عوامل عديدة ليس من بينها برنامج القائمة التي تستطيع الاعتزاز بأنها الوحيدة التي طرحت برنامجا سياسيا اقتصاديا اجتماعيا ثقافيا متكاملا تحت عنوان تجديد الدولة الأردنية. وبرنامج جدي كهذا كان يتطلب وقتا وجهودا ومالا واعلاما لتوصيله إلى الجمهور.
أسباب الفشل، أولا، مالية ولوجستية وإعلامية؛ فالموارد التي أتيحت للقائمة شحيحة ، فلم تتمكن من عقد مهرجانات في المحافظات، ولا الدعاية في الصحف والفضائيات والإذاعات، ولا حتى إقامة مقرات. وكل ما استطاعت أن تفعله هو توزيع عدد من المطبوعات من بينها برنامجها. ثم، بعد ذلك، نأتي للأسباب الأهم. وهي ، في رأيي، ثلاثة رئيسية: (1) أن القائمة تشكلت من شباب كادحين و معارضين وحراكيين وراديكاليين. وليست هذه هي النوعية من المرشحين التي يهتم بها الناخب الأردني الذي يريد شخصيات سياسية للمعارضة أو وجهاء ومتنفذين قادرين على الخدمة (2) أن شباب القائمة تجاهلوا العمل الجدي في صفوف عشائرهم ومناطقهم. ولا أعني أثناء الحملة الانتخابية فقط، وإنما قبلها. وربما أصبح على الجميع أن يدرك الآن أنه لا فرصة انتخابية في الأردن من دون سند عشائري، (3) مقاطعة جزء كبير من الجمهور المحتمل لقائمة أبناء الحراثين، أي شباب الحراك، للانتخابات، تسجيلا واقتراعا. وبهذا المعنى فإن أعضاء القائمة لم يحصلوا لا على أصوات عشائرهم ـ بسبب ابتعادهم عنها ـ ولا على أصوات رفاقهم ـ بسبب مقاطعة أغلبيتهم للانتخابات ـ
ومع ذلك كله، فإن ما كسبه أبناء الحراثين من المعركة الانتخابية، كثير وضروري؛ كسبوا رفاقا ومناصرين جددا سوف يرفدون حركتهم بالكادرات والأفكار، واكتسبوا خبرة واقعية في العملية الانتخابية، وأيقنوا أن العمل في صفوف الناس أهم من المناظرات السياسية والاجتماعات والفيسبوك، وأدركوا، أخيرا، ضرورة المواءمة بين الراديكالية واحتياجات الناس ومزاجهم السياسي.
هل كانت التجربة ضرورية؟ نعم، فقد كان لا بد من خوض عمل سياسي واقعي مادي يتوج ثلاث سنوات من العمل السياسي في الحراك والحوار واللقاءات السياسية؛ ففي العام 2010، تشكلت شبكة من المناضلين، اهتمت بمتابعة وتعضيد حركة العمال ـ خصوصا عمال المياومة وعمال القطاع العام والشركات المخصخصة ـ وحركة المعلمين وحركة المتقاعدين العسكريين وسواها من الحركات الاجتماعية السياسية الجديدة. نشطت هذه الشبكة، في صفوف الحركات وكان ذلك لقاء فكري سياسي بين مثقفين ونشطاء شباب وبين قوى اجتماعية وشعبية تبحث عن أفق جديد. بدأت الشبكة تعمل بقوة في العام 2010، وكان الميدان خاليا أو للدقة مليئا بقوى قديمة، ووجد الشباب أن الوقت قد حان لتجديد الحركة الوطنية الأردنية من منظور حركة التحرر الوطني الاجتماعي ، أي من خلال الربط بين القضية الوطنية والقضية الاجتماعية اللتين ظلتا في الاردن منفصلتين، وكانت الفكرة الرئيسية هي الجمع بين الدفاع عن الوطن وهويته واستقلاله وعروبته وبين الدفاع عن الفئات الشعبية، وحقها في التعليم والعمل والسكن والصحة والفرص الحياتية.
في العام 2011، ساهمت الشبكة الشبابية في اطلاق الحراك الشعبي ميدانيا في عدة مواقع ومحاولة تشبيكه وبلورة خطابه على المستوى الوطني، والسعي الى تحويله إلى حركة وطنية. وأحرزت نجاحات في هذا الخط قبل أن تتصاعد التأثيرات الإخوانية الليبرالية مع نهاية 2011، ونجاحها النسبي في تحويل قضية الحراك من النضال ضد مؤسسة الفساد واسقاط الخصخصة ونهج اقتصاد السوق والتأسيس لاقتصاد عادل وديموقراطية اجتماعية ، إلى قضية نظام انتخابي "عادل" وتعديلات دستورية. مَن من الشباب لا يريد طبعا نظاما انتخابيا ديموقراطيا و تعديلات دستورية، لكنهم أرادوا ذلك بالتوافق الوطني وليس لخدمة جهة سياسية تريد الاستئثار بالسلطة.
مثّل قادة قائمة أبناء الحراثين، أولئك الشباب الذين ناضلوا مع الحركات الاجتماعية والشعبية، وبلوروا عقيدتهم السياسية على أساس خطاب تقدمي جديد يجمع بين الوطنية الأردنية والديموقراطية الاجتماعية والليبرالية الثقافية. وهو خطاب المستقبل الأردني .