نمد اليد إلى النواب لمكافحة الفساد

 

 
دعونا نبدأ مع أعضاء السلطة التشريعية بما آتاهم الدستور من صلاحيات ، وما حمَّلهم الشعب من توصيات مَردُّها كرامتهم وحقوقهم ، لإنقاذ الوطن من السَّيْر إلى الخلف. ولعلّ هذا الامتحان الذي سَيُسجِّل به الناس علامات النواب واحدًا واحدًا ، سيكون التقويم الذي على أساسه يكون النائب قد نجح أم فشل في الامتحان .
ولعلّ أول هذه الملفات هو ملف الفساد ، ولا نريد ان نذكر كيف يبدأ النواب التعامل معه ، بمقدار ما يجب أن يعرفوا أن محاولات طمس معالمه أو التخفيف من وطأته ، إنما هي لعبة سياسية لم يستطع مروجوها إزالتها من أدمغة الناس ، أو التأثير على مصداقيتها ، رغم استخدامهم الوسائل والسبل كافة، حتى الخطوط بألوانها المختلفة ، ورغم أن قراصنة الفساد في الأردن شخصيات ملكت القرار والسلطة والمال ، فإن التعامل معهم لا يمكن أن يكون بالسهولة التي يتوقعها النواب ، على اعتبار أن أيادي هؤلاء لا تستطيع أن تصل الا لمن يقول: "نعم سيدي" ، ويلهث وراء ما "يُرمى" له من فتات ، حيث تشابكت المصالح وتكونت خلايا ذات خيوط متماسكة تُظهر جبروتها بالتهديد مرة ، والوعيد أخرى ، والنفوذ مرات ومرات ، والأصحاب والأصدقاء والمستفيدين ، ولا ضَيْر عندهم الاختباء تحت العباءات .
نعم ؛ خيوط العناكب ، ولدغاتها ، لا تستطيع أن تَشُلَّ ضمير النائب الحي ، الوطني ، الصادق ، الذي جاء ليكون نائبا لا تاجرا . خيوط العنكبوت تلك هشة رغم مظهرها، ضعيفة رغم كثافتها ، لا تستطيع مقاومة الحقيقة ، فهي كخيط " السِّبْحة " ما أن ينقطع حتى تتناثر حباته في شتى أرجاء الارض ، عندها ستتطهر البلاد ، وسيصلي لله العباد شكرا وثناء .
النواب أمامهم بداية رحبة ، يستطيعون أن يبدأوا منها، وأن يتساءلوا عنها ويتابعوها . وأبسط واجباتهم ، تحويلها للنيابة العامة ، بعد أن يجدوا من "البلاوي " الزرقاء التي حطت على رؤوس العباد في هذا الوطن ما لا يتحمله بشر.
وسأبدأ مع النواب بطرح بعض هذه القضايا على حلقات ابدأها ببنك البتراء :
اسألوا أيها النواب عن ملف بنك البتراء ، وانظروا ماذا تفعل لجنة التصفية ، منذ عام 1990 ، اسألوا عن موجوداته الحقيقية ، وكيف بيعت وماذا تحمّل البنك المركزي ، اسألوا عن اسهمه وودائعه في الخارج كم استُرِدَّ منها ولماذا ؟ . وركزوا على وديعة بنك "تشيز منهاتن " كم هي وكم استَردَّينا منها ، وكيف ، ومن هو محامينا ، ومحامي خصمنا ، لتجدوا العجائب ؟ اسألوا عن ضمانات القروض أين هي ، وبكم بيعت ، وكيف ، ومن هم الذين اشتروها ؟ ودققوا بالأوراق كلها لتجدوا ما تشيب له رؤوس الصغار قبل الكبار ؟ اسألوا عن بيوعات العقارات الأخرى وغيرها ؟ اسألوا ماذا استرد المحامون لصالح البنك ، وما هي الأصول . اسألوا عن قصة خروج الجلبي ، وما هي الحقيقة وراء ذلك ؟ اسألوا شهود العيان ؛ كرئيس محكمة أمن الدولة آنذاك ؟ دققوا بموضوع الأراضي ، لمن بيعت ، وبكم ، وما هو سعرها الحقيقي؟ ابحثوا ، وستجدون ما لا استطيع أن أذكره في هذا المقال ؟ اسألوا عن أتعاب محامي قضايا البنك كم هي، وكم حصَّل منها ؟ فستجدون العجب . تحمل المواطن وتحملت خزينة الدولة ، وها نحن اليوم ندفع الثمن ، بالمديونية ، بالعجز بالفقر ، بالبطالة ، ولا أكون مبالغا إذا قلت: إن مثل هذه التجربة كانت بداية سلسلة من الجرائم المالية التي حطت على قطاع البنوك الأردني، سنأتي على ذكرها لاحقا .
نقول للنواب : افتحوا هذه الملفات ، فستجدون ما تُحوّلون للنائب العام ، واتركوا القضاء ليقول كلمة الحق . فإن بَرّأهم فسنكون قد أرحنى ضمائرنا ، وإن أدانهم فنكون قد أدينا الواجب الوطني الذي نريد فيه أن نحافظ على أبنائنا وحقوقهم في قابل الأيام . فهل تتشابك أيدي السلطات الثلاث الرابعة والتشريعية والقضائية "لفكفكة وتمزيق" خيوط العنكبوت المسمومة تلك ؟