وحدة المعاناة الفلسطينية



وحّد اليمين الإسرائيلي ، بمواصفاته وعنصريته وقوانينه وسياساته التوسعية ، بالتهويد والأسرلة والصهينة لكل ما هو فلسطيني وعربي ومسلم ومسيحي على أرض فلسطين ، بشكل يومي ومنهجي ومتواصل ، وحّد المجتمع الفلسطيني في منطقتي الإحتلال الأولى عام 1948 والثانية عام 1967 لمواجهة المشروع الإستعماري الإسرائيلي ، وحّده بالمعاناة والعذاب وتحمل قساوة المتطرفين ونهجهم ، مثلما يجب أن يوحده بالنضال وتقاسم المهمات لمواجهة العدو نفسه بعنصريته وإستعماريته ، في منطقتي 67 و 48 . 

فالمعاناة جمعت طرفي الشعب الفلسطيني ، في الضفة الفلسطينية والقدس من جهة ، وفي مناطق الجليل والمثلث والنقب ومدن الساحل المختلطة من جهة ثانية ، ما بين قوانين التمييز العنصري التي تفرزها الكنيست الإسرائيلي ، وما بين قرارات الحكومة والحكم العسكري والأدارة المدنية التي تصدرها ضد أهالي القدس والضفة . 

الإسرائيليون موحدون ، جميعهم ، أو لأغلبيتهم الساحقة ، على رفض حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة ، وفق قرار الأمم المتحدة 194 إلى المدن والقرى التي طردوا منها عام 1948 ، إلى اللد ويافا وحيفا وعكا وبئر السبع ، وإستعادة ممتلكاتها فيها وعلى أرضها ، والتعويض عن معاناتهم بسبب التشرد والطرد والحرمان من حق الحياة الطبيعية ، ومن خيرات ممتلكاتهم في البيارات والعقارات التي صادرتها عسفاً وعنوة الدولة العبرية . 

فالحق بالعودة لنصف الشعب الفلسطيني ، قرار مرفوض نهجاً وسياسة من قبل الدولة العبرية وأحزابها الصهيوينة وأجهزتها ومؤسساتها ، وهو أمر وقرار يجب أن يبقى في صلب برنامج الفلسطينيين ومنظمة التحرير ومؤسساتها ، حتى ولو لم تسمح به موازين القوى الحالية السائدة لمصلحة التفوق الإسرائيلي ، ولكن الحق يجب أن يبقى طالما أن هناك لاجئ فلسطيني متمسك بحق العودة إلى مناطق 48 وليس إلى مناطق 67 ، مع الإدراك المسبق أن حق العودة مرتبط بتحقيق إنجازات لطرفي الشعب الفلسطيني في مناطق 48 بتحقيق المساواة ، والنضال في مناطق 67 لتحقيق الإستقلال ، وليس قبلهما . 

حق المساواة في الجليل والمثلث والنقب ومدن الساحل المختلطة من مناطق 48 ، يواجه بالتفاوت في مواقف الإسرائليين وأحزابهم ، ولهذا يتسم النضال الفلسطيني في مناطق 48 بالواقعية والعمل المدني ذات الطابع السلمي الديمقراطي ، والتدرج والمرحلية في تحقيق الخطوات ، وفي تعزيز الحضور وشيوع الوعي والحق في المطالبة بالمساواة ، ففي عام 1992 كان للأحزاب العربية المعادية للإحتلال وللصهيونية والعنصرية فقط خمسة أعضاء في الكنيست ، ثلاثة للجبهة الديمقراطية وإثنان للحزب الديمقراطي العربي ، أما اليوم فهناك أحد عشر نائباً للكتل العربية الثلاثة 4 للجبهة الديمقراطية و4 للقائمة العربية الموحدة و 3 للتجمع ، وكاد النائب الثاني عشر أن يحقق الفوز وخسر فقط بـ 800 صوتاً ، وجميعهم شوكة في حلق الصهيونية ومشروعها الإستعماري يتمسكون بهويتهم الوطنية الفلسطينية وقوميتهم العربية ، يقودون النضال مع أحزابهم ومؤسساتهم وجماهيرهم ضد التمييز وإنتزاع حق المساواة . 

أما الإستقلال لمناطق 67 ، فاليمين الإسرائيلي السياسي والديني ، يرفضه ، وإذا كان ثمة مرونة لدى بعضهم ، فهو تقديم المناطق ذات الكثافة السكانية بدون القدس والغور لتكون جزءاً من دولة فلسطينية عظمى عاصمتها غزة أو رام الله ، من أجل التخلص من السكان ، رغم قناعتهم وإيمانهم أن ما تبقى من الضفة الفلسطينية جزء من أرض إسرائيل ، يتنازلون عنها مرغمين حتى لا تتحول إسرائيل إلى دولة ثنائية القومية متعددة الديانات . 

النضال الفلسطيني من أجل العودة والمساواة والإستقلال يجب أن يبقى تعبيراً عن الإنصاف والعدالة ، وغير ذلك باطل لن يصمد أمام الزمن ، وأمام الأحساس بالظلم والعمل على إزالته ، وذلك عبر عودة الفلسطينيين إلى أراضيهم التي طردوا منها عام 1948 ، وتحقيق المساواة لهم على تلك أرض من وطنهم ، وقيام الدولة المستقلة على أراضي 67 وفق قرارات الأمم المتحدة 181 و 242 و 1397 و1515 ، بدون ذلك عبث وفوضى وإنتصار الظلم على العدل وهذا لن يتم لأنه ضد الحياة وضد إستمراريتها .