فشخرات عربية

ليس هناك لغز ولا ما يلغزون، إنما أذكركم بسلسلة الألغاز التي كنا نقرؤها في مرحلة الصبا، وأبطالها تختخ ولوزه والشاويش، وما شابه، وكان المؤلف يضع الحل ، ثم يفصل عليه لغزا ..بالعنى: لغز ليس لغزا، حتى للأطفال .

اتحدث عن لغز الفساد العربي بعد ان تذكرت ما قرأته ذات عقد عن فساد الرئيس الأرجنتيي الأسبق كارلوس منعم وزوجته وعائلتيهما في الأرجنتين ، وما كان الأمر يهمني لو لم يكن الرجل عربيا من أصول سورية. وربما لو يختلف الرجل مع زوجته وعائلتها القوية لصار الرجل عميدا لزعماء أمريكا اللاتينية ، لكن الله ستر!!

وقد بسط منعم نفوذه عن طريق اساليب تقليدية معهودة في الدول العربية: وهي توظيف الأقارب والأصحاب والتابعين في المؤسسات العامة للدولة ، وفي احدى المدارس هناك ، تم الكشف عن لائحة الرواتب، ليتبين أن عدد المدرسين هناك أكثر من عدد الطلبة ، وجميعهم من عشيرة (المناعمة)- نسبة الى كارلوس منعم بالطبع- وأقربائهم وأنسبائهم ومن لف لفهم ، الذين يحصلون على رواتبهم دون أن يعرفوا مكان المدرسة.

وقد استغرب المراقبون هناك في ذلك الوقت أن الأخ كارلوس بن منعم، وصل الى الحكم عن طريق انتخابات نزيهة، ليس هذا فقط بل أن الذين انتخبوه هم الفقراء المعدمين الذين تسبب هو بفقرهم شخصيا على مدى سنوات سابقة ، والسبب في ذلك هو أنه قام بواسطة نفوذه بتوظيف جميع المفاتيج الانتخابية في القرى والبيوت في الوظائف الحكومية وعلى حساب المال العام، ليس لوجه الله بالطبع!!

وندين بالشكر لإخوتنا في العرق والدم والعروبة هناك، في تحويلنا الى شعب مدهش يرسم علامات الحيرة والتعجب على أجداد وابناء وأحفاد مارادونا أبو كرش، الذين لو سكنوا بيننا لولدوا مندهشين وماتوا مندهشين ، مثل ذلك الرجل الدائم الاندهاش، الذي اعطاه الطبيب دواء لمعالجة الاندهاش فشربه ونام. قام الرجل صباحا وهو غير مندهش ، فما كان منه الا أنه اندهش لأنه غير مندهش ...إنه لغز عربي نموذجي..أليس كذلك؟؟

(2)

تشكل قناعات كل جيل مشكلة ، لا بل منظومة من المشاكل، للجيل التالي وربما للأجيال التالية ، اذا فشل الجيل الأول في التخلص من متطلباتها التي تعيق عملية التنمية بكافة جوانبها. أما نحن ...اقصد جيلنا او اجيالنا من أولئك الذين تجاوزوا الخمسين سنة بصعوبة غير بالغة، فقد حملنا جميع ما تبقى من المشاكل التي تركتها لنا الأجيال السابقة ، من أول اعرابي حلب ناقة على هذه الأرض الى اخر اعرابي اشترى آخر صرعة من جهاز(بلاك بيري).

حملنا جميع فشخرات العربي ، منذ ذلك الرجل الذي مد رجله في سوق عكاظ وتحدى من يجرؤ على قطعها ، حتى مر من عنده من هو اكثر فشخرة منه ، ف(عزت نفسه) عليه ان يترك قدم الرجل ممدودة في طريقه فقطعها، بلا هوادة. حملنا الفشخرات من ذلك الرجل مرورا بإنشاء الإمبرطورية العربية و (..بني الأصفر الممراض...) و (نحن اعرب الناس.....)، وليس انتهاء بمنظومة قيم الدولة العثمانية:

- امش الحيط الحيط....

- بوس الكلب على .....

- الكف ما بتناطح مخرز...

- اللي بتجوز امي.....

الذي يعجبني ويفرحني ان الجيل الحالي ..ضرب بكل هذه الموروثات عرض الحائط ، وها هو من المحيط الى الخليج ومن الخليج الى المحيط ، يغتسل ويغسل وجه التاريخ من كل ما علق به من أدران ....ويخرج من رماد حرائقه كطائر الفينيق.