عن خليل عطيه..
حين يتقدم الإنسان في العمر تظهر على اليد نقاط بنية تشبه إلى حد بعيد (النمش)..
وتفسيرها العلمي هو اهتراء في طبقات الجلد بفعل العمر....وقد تظهر على الوجه المهم أنها تظهر في الأماكن التي تلاصق العظم أكثر...
الاسبوع الفائت حين التقت الزميلة لانا القسوس بخليل عطيه في برنامج يسعد صباحك وسألته عن أمه..بكى على الهواء مباشرة...حين تذكر أنه نجح في البرلمان هو وخميس شقيقه ولكن في ظل غياب الأم التي رحلت قبل سنوات...
خليل عطيه يفتقد أمه ربما لأنها لم تشهد لحظة نجاحه..أما أنا فأفتقدها لأني في طفولتي كنت أمسك كفها وأعد النقاط التي نبتت على الجلد بحكم العمر والتعب...اعرف أن للأطفال هوايات في الصغر أولها عد النجوم التي في السماء , وأنا كنت مختلفا عنهم فنجومي هي التي كانت تنبت على يد أمي وسمائي كانت كفها.....
كنت اجلس وأمسك الكف الأيمن واسترسل بالعد وحين أنهي اذهب للأيسر ولكني ما أحصيت تلك النقاط يوما..وفي كل مرة كنت أتوه لكثرتها ويبدو أن العمر سرق نظارة الجلد...وسرق من تلك الكفوف شبابها ولكنه أبقى السحر ...
أعرف يا خليل حجم الإشتياق للأم وأعرف ألم المشافي..أعرف تعب العمر ,حين يستبد بي في اللحظة التي تأتي الممرضة كي تبحث عن وريد اضناه المرض لأجل ان تغرس فيه الإبرة كي يتدفق (الجلوكوز) إلى جسد أرهقه الكيماوي , وأنا في تلك اللحظة كنت أبكي لأن الإبرة إنغرست في نقطة بنية اللون كنت سأعدها لو تركوها دون أن يشوهوا الجلد...
أمضت أمي في المشفى (4) سنوات وكم أحصيت اقمارا ونجوما على كفها....
كل شيء يا خليل عطيه قد نكذب به: الأرقام ولون الدم والمشاوير والكلمات التي صغناها على سفح البوح..الا الأم فهي لحظة الصدق الوحيدة في حياتنا...ولأننا يتامى أنا وأنت لأن القدر إبتلانا باليتم...غير أننا نختلف عن بعضنا بأني ابتليت به مبكرا وأنت جرعت من سمه بعد أن غزا الشيب رأسك....نعزي أنفسنا بالدمع...وأنا بصراحة غير معني بكل شعاراتك وكل إنجازاتك وكل ما فعلته بدورات المجلس التي فزت بها..إلا أنني معني بإنجاز واحد لك وهو اصدق وأنبل إنجاز :- بكاؤك على أمك في برنامج يسعد صباحك...نعم الدمع في لحظة صفاء هو إنجاز يسجل للرجال.
أبكيتني معك يا رفيق العمر....وعادت بي ذكريات العد..وصدقني أن النجوم في ذهني غابت والأقمار خسفت في اللحظة التي غاب النبض بها من يد امي.
هل تعتقد أن ما نكتبه هو مقالات...كلا يا صديق ما أكتبه هو اشبه بالأرقام..وأنا كل يوم حين اصحو من منامي أمسك كف بلادي وأعد ما نبت من بثور ومن نقاط بنية أشبه بالنمش على كفها..وأنثر تلك الأرقام على الورق.