جواب اللاجواب!
قبل بيان الخارجية الأميركية بتأييد إعلان رئيس إئتلاف المعارضة السورية عن إستعداده لمفاوضات (مشروطة) مع نظام بشار الأسد، وكان الاعتقاد حتى لدى قادة هذه المعارضة، بأن المسألة قد تكون مجرد قفزة «مجانية» في الهواء وانها قد تكون من قبيل الهروب من المُرِّ إلى الأمر منه أو انها مجرد مناورة قصيرة النظر محكوم عليها بالفشل وهي لن تؤدي إلاّ إلى المزيد من البلبلة في صفوف «الثورة» وفي أوساط الشعب السوري الذي قدَّم كل هذه التضحيات الجسيمة كي يتخلص فعلاً من هذا النظام الذي من غير الممكن أن تكون هناك حلول حقيقية بدون رحيله وبدون أي تأخير.
لكن هذا البيان كما بات يتضح أنه ليس مجرد «موَّالٍ» أطلقه الشيخ معاذ الخطيب من أجل إلقاء حجر في المياه الراكدة ومن أجْل إحراج هذا النظام والتأكيد للعالم كله، حتى بمن في ذلك الذين يؤيدونه وبقوا يخوضون كل معاركه منذ البدايات ومنذ اللحظة الأولى وحتى الآن وفي مقدمتهم روسيا لافروف، انه ماضٍ في ما كان بدأه وانه لايمكن أن يقبل بأيِّ صيغة حلٍّ تفقده أياً من الصلاحيات التي يجري الحديث عنها والتي هي في الحقيقة كانت ولا تزال في يد بشار الأسد بدون لا شريك ولا منافس.
لقد عزز بيان الخارجية الأميركية آنف الذكر قناعات بعض الذين كانوا ولا يزالون يقولون إنَّ خلافات الروس والأميركيين، بالنسبة للأزمة السورية التي غدت متفاقمة وأصبحت بحاجة إلى معجزة فعلية ليتم حلها الحل المطلوب الذي يرضي الشعب السوري والذي لا يجعل تضحياته تذهب هباءً وأدراج الرياح، تخفي تفاهمات غير معلنة على مجموعة من الخطوات التي إذا تم إتخاذها فإنها على الأقل قد تفتح الأبواب وإن مُواربة للخروج من هذا الإستعصاء الذي طال أمده والذي دفع سوريا إلى دائرة الأخطار الحقيقية التي على رأسها تزايد الشكوك حول بقائها كدولة واحدة وكشعب موحد.
لكن، وهذه «اللكن» يجب أن توضع تحتها عشرات الخطوط، علينا ألاّ نذهب في التفاؤل بعيداً فوزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف الذي هو، وليس لا وليد المعلم ولا حتى بشار الأسد، عقدة الأزمة السورية قد غادر ميونخ بدون أن ينْبُسْ بإبنة شفة وبدون ان يقول ولا كلمة واحدة حول ما كان عرَضَهُ قائد المعارضة السورية وأن الإشارة التي أعتبرت بادرة إيجابية فقط هي أنه وجَّه دعوة للشيخ معاذ الخطيب ليزور موسكو كما كان زارها عدد من زملائه في هذه المعارضة.
ولذلك وإستناداً إلى هذا كله يجب عدم الذهاب في التفاؤل بعيداً وبخاصة أنَّ الذي ردَّ على عَرْضِ الشيخ معاذ الخطيب هو رجل المخابرات الإيرانية ومفاوض ملف التوجهات النووية لدولة الولي الفقيه سعيد جليلي الذي لم يخجل من ان يتحدث من دمشق العاصمة العربية التاريخية وكأنه يتحدث من طهران والذي لم يخجل أيضاً من أن يردَّ على هذا العَرْض الذي تقدم به زعيم المعارضة السورية وكأنه لا يوجد في سوريا لا رئيس دولة ولا وزير خارجية.. وكأنه لا يوجد في هذا البلد حتى أيُّ «دَوْمري».. لقد قال هذا المسؤول الإيراني الذي تدخل في أمرٍ من المفترض أنه لا يعنيه أنه على من يريد التفاوض أن يأتي إلى دمشق وأنه يجب أن تكون المفاوضات على أساس أن بشار الأسد هو رئيس دولة «الممانعة والمقاومة»! وهذا في حقيقة الأمر هو جواب اللاجواب! وردُّ من لا يجوز أنْ يقبل به الشعب السوري.