انسحاب التيار الوطني ضربة للعمل الحزبي

بغض النظر عن آراء وقناعات المراقبين والرأي العام بأداء وبرامج حزب التيار الوطني وشخصياته السياسية فإن قراره الحاسم بالانسحاب من مجلس النواب وإغلاق مقاره في المحافظات وإعادة هيكلة الحزب يشكل ضربة قوية لطموحات العمل السياسي المنظم في الأردن إضافة إلى الكثير من الملاحظات حول طريقة احتساب مقاعد القوائم في البرلمان الجديد.

غامر الحزب في الانتخابات الحالية بشكل كبير حيث ترشح بقائمة فيها شخصيات سياسية خبيرة ومعروفة، وطرح برنامجا أكاد اقول وبكل صراحة أنه الأفضل نظريا بين كافة البرامج الحزبية الأخرى. وكان من أهم معالم المغامرة أنه طرح شخصيات مثل صالح إرشيدات وعبد الله الجازي ومنير صوبر في القائمة الحزبية لتقوية القائمة بالرغم من أن ايا منهم كان سينجح بشكل شبه مؤكد لو ترشح فرديا في دوائره المحلية. النتيجة الصادمة للجميع كانت في حصول الحزب على مقعد واحد فقط، وحتى في حال تم وضع حد أدنى لعدد الأصوات المطلوبة لكل مقعد نيابي فإن الحزب كان سيوصل 4 مرشحين فقط للبرلمان وهي نتيجة ضعيفة بكل المقاييس. 

في تحليل سريع للأصوات التي حصل عليها الحزب في الصناديق المختلفة يتبين أن النسبة الأعلى جاءت من الدوائر الانتخابية التي فيها ثقل عشائري واجتماعي للمرشحين، وهذه ملاحظة عامة على معظم الأحزاب والقوائم باستثناء الوسط الإسلامي وقائمة أردن اقوى والتي تميزت بتنوع أكبر في توزيع الأصوات على المحافظات.

هذه الملاحظة تشير بأن الحزبية لم تتجذر بعد في أوساط الناخبين وأن التصويت جاء لدعم الشخصيات المطروحة وليس البرامج، بل أن عدة ملاحظات وردت بأن الناخبين كانوا يجدون صعوبة في التمييز ما بين القوائم وذلك بسبب كثرتها وتعدد اسمائها وعدم وجود تاريخ ووعي جماعي حولها. 

الدعاية لعبت ايضا دورا كبيرا حيث فازت كافة القوائم التي طرحت مرشحين هم من ملاك ومقدمي القنوات الفضائية (الوسط الإسلامي، أردن أقوى والإنقاذ) وهذا يعني ضخا مستمرا للدعاية الانتخابية عبر شاشات التلفزيون للرأي العام وبالتالي ترسخ اسماء مثل هذه القوائم في الوعي العام وحصولها على أفضلية "إعلامية” أعلى بكثير من القوائم الأخرى، خاصة في ظل عدم امتلاك اي حزب لقناة فضائية أو حتى صحيفة يمكن أن تستخدم في الدعايات الانتخابية. 

غياب التيار الوطني نتيجة هذه التجربة المؤسفة لا يفيد الديمقراطية الأردنية في شئ إذ انه سيقلل من الحماسة للعمل الحزبي خاصة وأن التجربة أثبتت الصعوبة البالغة في وصول مرشحين حزبيين إلى البرلمان. ولكن هذه الحالة بحاجة إلى التغيير وذلك عن طريق تعديل قانون الانتخاب بحيث يتم تخصيص 50% من المقاعد للقوائم الحزبية، واقتصار القوائم فقط على الأحزاب وليس القوائم العشوائية، ووضع حد أدنى من الأصوات للحصول على مقعد نيابي لأية قائمة. بدون ذلك سيتم إضعاف العمل الحزبي بشكل كبير وإعطاء الأولوية للترشح الفردي. 

من الصعب القول بأن حزب التيار الوطني قد تعرض "للاستهداف” في الانتخابات الماضية ولكنه كان مثل أحزاب أخرى ضحية لمزيج من عدم الإكتراث من قبل الرأي العام بالقوائم الحزبية وتفضيل الارتباطات العشائرية عليها، وكذلك اقتصار مقاعد القوائم على 27 مقعدا ودخول 61 قائمة على المنافسة مما جعل تقسيم المقاعد اشبه بكعكة عيد ميلاد صغيرة لم تحتمل زيادة غير متوقعة في عدد الضيوف فتم تقسيمها لقطع صغيرة لمحاولة إعطاء الجميع حصة. 

من حق التيار الوطني أن يعيد تنظيم نفسه ولكن من المهم أن تهدف كافة السياسات والتشريعات القادمة من قبل الحكومة والبرلمان إلى دعم العمل الحزبي .