زُحام رئاسة مجلس النواب
تشهد أروقة مجلس النواب حالياً زحاماً انتخابياً وحراكاً غير مسبوق للتنافس على الظفر برئاسة مجلس النواب السابع عشر في دورته غير العادية لدرجة وصول عدد الذين ترشّحوا لهذا الموقع أكثر من عشرة نواب منهم من هو مدعوم من كتل نيابية تم تشكيلها حديثاُ ومنهم من يعمل على ذلك بشكل فردي، لكن السؤال المهم الذي يراود الجميع هل هذا الزحام على الموقع رغبة بالتغيير للوجوه أو لتغيير نهج رئاسة المجلس أم لتغيير الآليات التي يتم فيها إختيار رئيس المجلس أم لتغيير السياسات التي يعمل بها مجلس النواب خصوصاُ وأن هنالك رؤية ملكية سامية لتشكيل حكومة برلمانية من رحم البرلمان؟
الزحام غير المسبوق على رئاسة المجلس النيابي يؤشرعلى تنافسية كبيرة بين السادة النواب وخصوصاُ بعد البدء بتشكيل الكتل النيابية والتي يتوقع أن يصل عددها إلى حوالي سبع كتل برلمانية وبتوافقية في الرؤى المشتركة بينهم وبنفس الوقت نرجو الله مخلصين أن لا يكون ذلك "فزعةً” فقط لغايات اختيار رئاسة المجلس وبعدها "تفرط” هذه الكتل كما كان يحصل تاريخياً في المجالس السابقة، وإلّا فإن الإصلاحات المنشودة في رئاسة وعمل المجلس ستراوح مكانها، وبصراحة أكثر نريد لهذه الكتل أن تجمعها توافقية الرؤى لا توافقية الأشخاص.
المهم في هذه المرحلة أن هذا التنافس بين السادة النواب لتشكيل الكتل البرلمانية هو ليس محصوراً فقط لغايات رئاسة مجلس النواب بل سيتعدّاه إلى اختيار لجان المجلس المتنوّعة والتي تسهم في التشريع والمساءلة والرقابة، بل والأهم من ذلك إلى التأشير إلى هوية الحكومة البرلمانية القادمة والتي سيكون اختيار وزرائها من قبل هذه الكتل النيابية التي هي في طور التشكيل وبذلك يكون لها نكهة وطعم جديد من حيث إشراك كافة القوى السياسية على الساحة الأردنية في هذه الحكومة.
وكلّما كانت القواسم المشتركة والتوافق بالرؤى بين أعضاء الكتل البرلمانية كبيراً تكون صدقيّة وديمومة هذه الكتل فعالة أكثر، وبالطبع لا يمكن لذلك أن يكون إلّا بحوارات معمّقة ومكثّفة بين السادة النواب، وهذا ما حدا بجلالة الملك تأجيل الدورة غير العادية لمجلس النواب ليتسنّى للنواب الاتصال والتفاهم والتشاور والحوار لغايات التوافق على الرؤى والتوجهات وربما حتى الأسماء القادمة للحكومة.
المؤشرات تكاد تلوح بالأفق إلى وجود كتل برلمانية تمثّل تيارات محدودة منها الوسطية والمتمثّلة بالوسط الإسلامي ومنها اليسارية ومنها الوطنية وغيرها وبمسميات عدة كالإصلاح والتغيير والتجمعات الديمقراطية والوطنية، وإن كانت تخلو هذه الكتل من اليمينية –نظراً لخيارهم في عدم المشاركة بالانتخابات- إلّا أنّ هذه التيارات تعكس حقيقة الوجود السياسي على الأرض للعمل الحزبي في الأردن والذي ربما أظهرت نتائج الانتخابات "غضاضة” هذه التجربة وأنها ما زالت بحاجة لإعادة ترتيب والدليل على ذلك ما حصل مع حزب التيار الوطني وقصّة استقالة رئيسه من مجلس النواب وسحب قائمته أيضاً.
كثيرون من السادة النواب يحاولون جاهدين على أن تكون رئاسة المجلس القادم غير تقليدية وفيها خروج عن المألوف والأعراف في آليات اختيار الرئيس القادم خصوصاً وأن هنالك 91 نائباً جديداً يمثلون حوالي 60% من المجلس، وفي هذا الأمر محاولة لتغيير نهج إختيار رئيس المجلس القادم ليكون ليس وجهاً تقليدياً أو على الأقل ليتواءم ذلك مع رؤى جلالة الملك المعظّم في سياسة التغيير والإصلاح المنشود على سبيل تشكيل الحكومة البرلمانية وليكون الشعب مصدر السلطات من حيث إفراز النواب والذين بدورهم سيفرزون الحكومة البرلمانية القادمة.
مخاض رئاسة مجلس النواب هذه الدورة ليس يسيراً ولا تقليدياً، وندعو الله مخلصين أن تنجح هذه التجربة لأن نتائجها ستنعكس على السلطة التشريعية والمجلس وإدارته ونظامة الداخلي وآليات عمله وستنعكس أيضاً على السلطة التنفيذية ورئاسة وأعضاء الحكومة القادمة، وستضع السادة النواب على المحك من حيث تغليب مصالح الوطن العليا والبُعد عن "الشخصنة” وليكون الوطن أمانة في أعناق الجميع، وأن يكون همّ المترشحين خدمة الوطن والمواطن لا حُبّاً في ظهورهم فقط، فهلّا نجح السادة النواب في الامتحان الوطني هذا!