مجلس نواب أم مجالس بلديات ؟!
السحرة؛ من ذوي الكفاءات السحرية الهابطة، نجحوا في جعل أولوية الأولويات الأردنية تنحصر في النظام الداخلي لمجلس النواب، وهو نجاح يشبه الى حد بعيد نجاح أحد المرشحين «المرشح الفلم»، الذي تندرنا عليه كثيرا وكنا نتمنى لو نجح لكنه لم يحالفه النجاح ، ووجه الشبه يكمن في ما تندرنا عليه من دعايته الانتخابية التي احتوت نقطة مهمة، اعتبرها ايضا «هدف الأهداف»، حين تعهد باستخراج النفط من تحت القبة، ويبدو أن النفط قادم لا محالة حين يتفق القوم على أن مشكلة المشاكل الأردنية محصورة في النظام الداخلي لمجلس النواب، فتعديله كما علمنا عبر تصريحات بعضهم، سيكفل دوام العافية على الكيان السياسي بأطيافه، خصوصا المعارضة التي يصطف خلفها عاطلون عن العمل ومتظلمون اجتماعيا وسياسيا واقتصاديا، وحشد من مرضى يثورون على كل الفيروسات الخطرة، سوى تلك التي تستوطن عقولهم وقلوبهم.
بعقلية أعضاء مجلس بلدي، تنهمر تصريحات «حامية»، وسوف نسمع مزيدا منها في الأسابيع الأولى من الدورة غير العادية لمجلس النواب السابع عشر، والتي صدرت بموجبها إرادة ملكية تعلن ابتداءها منذ الأحد القادم، ولا أستغرب شخصيا لو كان حصاد الصحافة والإعلام هذه الأيام مجرد مراهقات كلامية، لا تختلف كثيرا شعارات وهتافات صدرت عن بسطاء، خرجوا بكل العفوية لبث غضبهم في الشوارع تحت شعار إصلاح النظام، فالنظام في مجلس النواب اصبح «ديدنهم».. آه والله، النظام الداخلي وبس، وكل القضايا والمشاكل الأخرى خس !.
أعضاء مجلس النواب، سواء أشاؤوا أم أبوا، هم مطالبون بجهود منظمة ومتكاتفة منذ اليوم الأول لاجتماعهم، تهدف الى تحييد كل المصالح الشخصية والاعتبارية والبلدية أيضا، واستغلال الفرصة التي ربما تكون يتيمة، لاستكمال جهود الاصلاح، وارشاد عقلها الجمعي ، لتحظى بكل الثقة الشعبية، فالبركان يتوقد غضبا خارج جدران القبة والبلديات جميعا، ولا نتمنى أن يتفجر النفط تحت القبة، انما نتمنى أن تنساب شلالات الحكمة الأردنية رقراقة، لأن مجلس النواب بحد ذاته أصبح هدفا معرضا لسيل من قصف منفلت، ترفده احتقانات وحسابات قائمة على الانتقامية وتعطيل كل مراكب الأمل للرسو على أرض صلبة..
لن نقف في صف مجلس يعكس كل السياقات الوطنية، ويتقزم ليصبح بحجم بلدية، وهذه نتيجة سرعان ما نراها لدى قادة الرأي لو حدد المجلس خطا لسيره يتعارض مع منطق السياق الوطني، الذي يجب أن تتعاضد فيه جميع السواعد لإزالة الشوائب من الأداء السياسي العام.
هذا مجلس نواب لا حظوظ له بفرص متعددة، لأن لديه فرصة واحدة لا غير لتقديم أداء راشد جديد، يرقى الى مستوى مواجهة لائقة مع تحديات كبيرة، ولا يمكننا المغامرة بدعم فشله لو أخفق، وهذا ينطبق على صانع القرار الأردني، فهو لن يسمح او يرضى فشلا يبدد كل المراهنات، حين وقف كثيرون ضد الانتخابات وقانونها الجدلي، ونتمنى أن يشرف طوال القامة على نهاية النفق، ويؤكدوا لنا أن ثمة ضوءاً حقيقيا، وليس مجرد وهم أو سراب تنعكس فيه الصور وتصبح الصحراء بحرا صافيا.
القصة لا تكمن في النظام الداخلي، فهو داخلي جدا، لكنها تكمن في النظام العام والهموم الاقتصادية واعادة الثقة في جدوى الحرب ضد الفساد.. القصة تكمن في العدالة التي تغيب أحيانا بطريقة غامضة وموجعة، ولا يلبث السحرة كثيرا ليخرجوا علينا بفتوحات نضالوية «دونكيشوتية»، أصبحت مكشوفة للبسطاء قبل النخب، ولم يعد بالإمكان تسويقها عاشرة بل للمرة المليون.
أيها النواب: أنتم تحت سمع وبصر كل أردني، والعيون ترقبكم أملا بنجاح مطلوب أو تصيد لخطأ، فاعلموا أنه مجلس نواب وليست بلدية يراهق فيها مراهقو الموقف والكلمة ومعدومو الضمير.. فلا تخذلونا ويكفينا ما فينا.