مواطن مسحول على أمره!
يمثل شريط الفيديو الملتقط لرجال الشرطة المصرية وهم يسحلون رجلا عاريا ليس بعيدا عن قصر الاتحادية الرئاسي قمة الاستهتار بكرامة المواطن العربي ونحن في عصر الثورات الشعبية التي كان اول شعاراتها المطالبة بالكرامة الانسانية. انها احدى مآلات الربيع العربي الذي تحول الى جحيم في مصر وسوريا وغيرها.
وصفت مؤسسة الرئاسة في مصر المشهد بالصادم، وطالبت بمعاقبة افراد الشرطة، بينما سارعت الداخلية ممثلة بوزيرها الى تزوير الحقائق واتهام المتظاهرين بخلع ملابس الرجل والقول ان الشرطة انما كانت تسعى لحمايته!
لا يمكن لانسان عاقل الا ان يصدق ما رأت عيناه، فالشرطة سحلت وضربت وركلت وأهانت المواطن حمادة صابر امام عدسات التلفزيون. الصدمة الاخرى جاءت على لسان الضحية الذي اكد رواية الداخلية المزعومة وقال ان العساكر هم الذين حموه من المتظاهرين.
كذبت روايته ابنته التي قالت انها كانت برفقته وقيل ان المواطن المسحول تعرض للتهديد ثم الترغيب، بل ان الداخلية عرضت عليه وظيفة مقابل سكوته. ويبدو ان حمادة صابر اكتفى بما حدث له وآثر مهادنة النظام. لكنها ليست المرة الاولى التي ينكل بها بمواطن في مصر او غيرها. فقد سجلت عدسات التصوير منظر رجال الشرطة وهم يعتدون على فتاة مصرية محجبة ويجردونها من ملابسها في الشارع وفي وضح النهار. وكما في كل مرة تنصل المسؤولون ولاموا غيرهم، قبل ان يطلقوا الوعود بالتحقيق في القضية لينتهي الأمر عند ذلك الحد.
من سخرية الاقدار ان يقال بأن شيئا مثل هذا لم يحدث في العهد البائد؛ على الأقل ليس امام الكاميرات او في الشارع العام. في الحقيقة ان الدوس على كرامة المواطن واهانته والتنكيل به هو التراث المشترك لمعظم الانظمة العربية قبل الربيع العربي وبعده. وقد اكد تقرير لمنظمات حقوقية دولية مؤخرا ان كل انظمة الربيع العربي تنتهك حقوق الانسان وان شيئا لم يتغير بعد الثورات.
قصة حمادة صابر، المواطن المسحول، تلخص واقعا عربيا أليما حيث لا كرامة للانسان ولا احترام للمواثيق والعهود الدولية التي تؤكد الانظمة العربية التزامها بها في كل مناسبة. لا فرق اذا بين نظام يتحكم به الاسلاميون أو غيرهم؛ فاحترام الكرامة الانسانية جزء من منظومة متكاملة من مواطنة وثقافة وتربية وقانون. انها دورة حضارية نجد انفسنا اليوم في الحضيض منها.
عرى المواطن المسحول حمادة صابر النظام ورجالاته وادواته القمعية التي لم تتغير بعد حصاد هذا الربيع الهزيل. ربيع العرب لا يتحقق بثورة عابرة سرعان ما تسقط شعاراتها. انه اقرب ما يكون الى الحلم المستحيل حيث دولة المساواة والعدالة والكرامة وسيادة القانون والحق في العيش الكريم. المواطن العربي ضحية للنظام ومؤسساته منذ ولادته الى موته. الذين عروا حمادة صابر وسحلوه هم ايضا ضحايا النظام الذي حولهم الى وحوش آدمية تتلذذ بالتنكيل بمواطن مغلوب على أمره يشاركهم نفس أحلامهم المهدورة!.