من ضيّع في الاوهام عمره

ضاع العمر في الاوهام
والدولة تاهت بين الزحام
كثير هو الحديث عن التوريث في المناصب والوظائف العليا وتلعب في ذلك ثلاثة عوامل اوّلها طمع المورِّث وثانيهما حربكة المورَّث وثالثها الظرف الزماني والمكاني ومن ضمنه الواسطة وموافقة دائرة المخابرات .
وحديثي هنا عن الوجه المعاكس وهو من يملك الكثير من شروط الترقيّْ من علم وثقافة وخلق وحسن التعامل وحب الناس واحترام كبيرهم وصغيرهم وحب الغير له واحترامهم له ولكنّه يتقاعد بل ويموت وهو ينتظر الفرصة وكثيرون من وصلوا لارفع منصب وكانوا مسؤولين او اصحاب جاه ولكنّهم لم يستطيعوا توريث شيئ من ذاك الجاه لابنائهم واحبّائهم ممن حرمهم زمن الرويبضة من الوصول وذلك لثلاثة اسباب اولّها خوف المورِّث دينيا او اخلاقيا اواجتماعيا ان يأخذ حقّ غيره وثانيها ضعف الذي يجب ان يورَّث سواء في ابراز نفسه او في مصارحته للمورِّث وثالثها الظرف المعاند كعدم مصداقيّة الواسطة او الحظ العاثر او عدم موافقة دائرة المخابرات على التعيين .
وانا هنا اتكلّم عن الفرص الحكوميّة في الوظائف العليا والتي لا تأتي بالطرق المشروعة والبحث عن الكفاءات بالعدل وانّما بالظلم وسوء الاخلاق واكل حقوق الغير وهذا ما يتم عادة في فترات غياب العدالة وسيادة الظلم والبعد عن الدين وغالبية ايّامنا تندرج تحت هذه الظروف كما انّني لا اتكلّم عن الفلوس او الثروة أيّا كان مصدرها كما انّ هناك من يصل بطريق اخلاقي ولكن اعداد هؤلاء يسيرة وتكاد تكون اقل من اصابع اليد الواحدة في فترة طويلة .
ولا احب هنا ان أعطي امثلة حيّة من واقع مجتمعنا لكي لا اخلط المقال والكلام بالحسد والغيرة واغتيال الشخصيّة .
وبعد إنتهاء الانتخابات النيابيّة وإعلان اسماء نواب الدوائر المحليّة والقوائم العامّة والكوتا النسائيّة وبدأ الحراك لتشكيل الحكومة الجديدة وقد تكون بداية بالتشاور مع النوّاب والكتل النيابيّة وليس منتظرا منهم تشكيل احزاب قادرة على ان تحوز على ثقة الناس وتستطيع تشكيل حكومة اغلبيّة ولكن هذا قد يحدث بعد سنين حيث يكون جيلنا الفاسد الخائف الصامت المنافق قد انتهى والمسؤولين الفاسدين المرتشين غير المتّقين قد ولّوا وتكون نسبة الصالحين من الشعب ورجال الحكم قد اصبحت في ازدياد ويكون اطفالنا قد تعلّموا اسس الديموقراطيّة من واجبات وحقوق واستحقاقات وعرفوا كيف تُنتزع الحقوق وكيف تؤدّى الواجبات ويتّجه نحو تكوين المجتمع الصالح الذي لا يعرف التوريث ولا المحاباة ولا المهادنة مع الفساد والظلم ايّا كان.
ويكون اللذين انتظروا اوهاما لم تأتي ماتوا بغيظهم وما عليهم إلاّ ان يأملوا لأحفادهم ذكورا واناثا حياة افضل ومستقبل اكرم علّ الله يكرمهم خير منّا ويُعلي شأنهم افضل منّا .
امّا من اضاع الكثير من عمره على وهم انّه سيصبح ذو شأن في الدولة الاردنيّة ولم يشاغب يوما على الحكم والحكومة ولم ينتمي الى اي من الاحزاب العقائديّة كالبعث العراقي والسوري والشيوعيون والاخوان وغيرهم فمن اين له الثواب بعد العقاب ومن اين له المنصب والوزارة فهو بالنسبة للنظام كالغاز الخامل الذي لا يؤثّر ولا يتأثّر اي هو سحيّج فقط وهو كالصامتون حتّى وقت الشدائد هكذا هي البلد من لم يفهمها لا يمكن ان يكون لا عبا فيها وانما اكثر شيئ يكون كحارس المرمى وكلّما سدّ كورة اعتبرها النظام منيّة له يجب ان يستمرّ في الشكر فقط وليتأكّد من ذلك عليه ان ينظر لاقرانه وزملائه ومن هم من جيله كيف اصبحوا رؤساء حكومات ووزراء ومدراء عامّين واكلوا الاخضر واليابس بالرغم ممّا قالوه في حقّ النظام منذ انتسابهم للدائرة ليبعدوا الشبهة عنهم لحين وقت المكافئة والمنصب وكأن حريّة التعبير كانت في متناول يدهم فقط .
امّا بعد الآن فلا اوهام ولا احلام فمن ربّع ربّعْ ومن قبّع قبّعْ فقد عرف الشباب الطريق الذي يجلب المنصب والمال والجاه وراحة البال وضمان حياة كريمة .
وكم نادت الحكومات الاردنيّة كثيرا بتطبيق الثواب والعقاب لتشجيع المبادرات والتميّز والتنافسيّة ولكنها كانت تطبّق ذلك بالعكس او بشكل شخصي وشللي في معظم الحالات .
وقد نستنتج أن من كان يعتقد ان مبادئ الشرف والصدق والاخلاق ستنتصر فقد كان مخطئا ومن كان يعتقد ان الاخلاص نهايته النجاح والتفوّق كلن مخطئا ومن كان يظنُّ ان العفاف والامانة مصيرها الوصول للقمّة كان تفائله في غير محلّه وطبعا هذه السوداويّة ليست في كل الدول ولا تقبل بها كل الشعوب لان الاعمال عندهم باجتهاد اصحابها وليست بنهاياتها وعلامات النجاح لديهم هي الابداع والامانة والاجتهاد والاخلاص وليس الكذب والخداع والشللية والنفاق .
ومن ضيّع عمره في الاوهام عليه ان ينسى ما ضاع وان يلتفت لما بقي له من العمر ليعيشها بلا اوهام او احلام حيث لاتفيد تلك الاوهام كما لا يفيد الندم ......
حمى الله الاردن ارضا وشعبا وقيادة وعافاه من كل فاسد وآثم .