قراءة فلسطينية للانتخابات الإسرائيلية



دللت نتائج الانتخابات الإسرائيلية، على ظاهرتين هما أولاً أن المجتمع الإسرائيلي ديناميكي متحرك يميل للتغيير والتبديل، وثانياً أن الرأي العام فيه هو الذي يتحكم بنتائج صناديق الاقتراع وإفرازاتها، وبالتالي فهو الذي يصنع السياسة الإسرائيلية ويتحكم بمسارها ويفرز قياداتها ويقوي أحزابها أو يضعفها أو حتى يزيلها.

فقد أظهرت النتائج تراجع اليمين المعبر عنه عبر تحالف الليكود مع إسرائيل بيتنا بإدارة نتنياهو مع ليبرمان من 43 مقعداً إلى 31 مقعداً، وصعود الوسط ممثلاً بحزبي "يوجد مستقبل" 19 مقعداً و"العمل" 15 مقعداً، وحافظ اليسار على حجمه المتواضع بستة مقاعد لحركة ميرتس، والوسط العربي الفلسطيني على مكانته بأحد عشر مقعداً، 4 للقائمة العربية و4 للجبهة الديمقراطية و3 لللتجمع، وكادوا يحصلون على المقعد الثاني عشر لصالح القائمة العربية.

ماذا يعني ذلك ؟؟ وما أهمية الحديث عن الانتخابات الإسرائيلية بهجائها أو مدحها، أو بالتغني بديمقراطيتها، أو بلعن سنسفيل أجدادهم بالقول لأن اليمين واليمين المتطرف أو أن المتدينين ما زالوا قوة، يحسب حسابها، ولهذا لا أمل يُرتجى من البحث عن منافذ أو أن تصلب المجتمع الإسرائيلي وعنصريته هما معيار التعامل معه، وهي خلاصة المفلسين الفلسطينيين الذي اكتفوا بتضحياتهم الشخصية وتضحيات شعبهم، وجلسوا يتلذذون بنقاء سيرتهم لأنهم لم يتلوثوا من السياسة ومن المفاوضات ومن حوار غير مجد مع عدو لا يفهم إلا لغة القوة.

نتائج الانتخابات الإسرائيلية إدانة لكل فصيل فلسطيني بذل جهداً ضد العدو، ولم يتوقف لتقييم ما حصل، ويحاسب نفسه ويسأل أين دورنا فيه، ما هو تأثيرنا على المجتمع الإسرائيلي، الذي يعيش معنا على أرض واحدة، هي أرضنا، ونأكل ونشرب من تربة واحدة ونستنشق نفس الهواء، ونتأثر بما يجري حولنا، ما هو دورنا الإيجابي أو السلبي في التأثير على نتائج صناديق الاقتراع وإفرازاتها ؟ هل نحن هامشيون لهذا الحد الذي يدفع المجتمع الإسرائيلي لعدم التأثر بنا، وبما نفعل ؟؟

أسئلة مشروعة يجب أن يطرحها صاحب القرار الفلسطيني على نفسه، من الفصائل أو الشخصيات والمؤسسات وحتى الأجهزة الأمنية كي تكون لدى الشارع الفلسطيني خلاصة مفادها ضرورة أن يكون للفلسطيني دور وتأثير على الرأي العام الإسرائيلي وعلى مؤسسات صنع القرار فيه.

نتائج الانتخابات الإسرائيلية شجعت الأوروبيين والأميركيين وحتى العرب وفي طليعتهم الأردن ومصر كي يتوقفوا ويبحثوا إمكانية فتح ثغرة في الجدار الإسرائيلي المغلق ومحاولة دفعه نحو الاستجابة لشروط المفاوضات مع منظمة التحرير والتكييف معها وفي طليعتها وقف الاستيطان والبدء من النقطة التي وصلت إليها على قاعدة حل الدولتين وحدود عام 1967، وفق مشروع مبادرة أوروبية تُطبخ بين الأطراف المعنية.
السؤال يجب أن يبدأ من الذات وهو: هل شعب الجليل والمثلث والنقب ومدن الساحل المختلطة هم جزء من الشعب العربي الفلسطيني، وما هو دورهم في الصراع من أجل استعادة حقوق الشعب الفلسطيني الثلاثة المساواة والاستقلال والعودة، كيف يمكن توظيف أصواتهم كناخبين لمصلحة الحضور الفلسطيني وقوته وأوراقه الكفاحية على الأرض وعلى الطاولة، في مواجهة المشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي؟.

لقد ذهب بعض المحليين لوصف نتائج الانتخابات الإسرائيلية هذا العام، على أنها تشبه نتائج انتخابات عام 1992، والتي فاز فيها رابين بـ 56 مقعداً، وإسحق شامير بـ 59 مقعداً، وشكل رابين حكومة بالأقلية معتمداً على الأصوات العربية الفلسطينية الخمسة وأدت إلى تحقيق إنجازين أولهما اتفاق أوسلو الذي أدى إلى الاعتراف الإسرائيلي بالحقائق الثلاث: الشعب الفلسطيني، منظمة التحرير وبالحقوق السياسية المشروعة للشعب الفلسطيني، وثانيهما سلسلة من المكاسب الحياتية والمعيشية على قاعدة الاقتراب من المساواة للوسط العربي الفلسطيني في إسرائيل.

لقد أدت نتائج الانتخابات الإسرائيلية إلى انحسار دور اليمين الإسرائيلي وتقدم الوسط والحفاظ على الكتلة العربية الفلسطينية التي كادت تحصل على المقعد الثاني عشر بسبب ارتفاع نسبة التصويت العربي نقطتين تقريباً، ولو صوّت المزيد من الفلسطينيين وذهبوا إلى صناديق الاقتراع لغيروا وجه إسرائيل السياسي وأرغموا اليمين على قبول التراجع والهزيمة ودفعوا الوسط مع اليسار للتقدم، وشكلوا قوة ردع أو كما سميت عام 1992 الكتلة المانعة ضد اليمين وشبكة حماية للوسط ولليسار، ويصبحوا أداة فعل مؤثر في المجتمع الإسرائيلي.

يحتاج صاحب القرار الفلسطيني إلى مركز أو خلية أو أداة لوضع التصور لمراقبة المشهد الإسرائيلي وكيفية التعامل معه، هذا ما يجب أن يكون لدى اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية ولدى اللجنة المركزية لحركة فتح، ولدى كافة الفصائل بما فيها حماس، إذا كانوا جادين حقاً في توفير التضحيات واستثمار أوراق القوة التي يملكها الفلسطيني.
h.faraneh@yahoo.com