فايز الطراونة.. رجل المرحلة

 

لم يكن مفاجئاً أن يعود الدكتور فايز الطراونة إلى الديوان الملكي رئيساً وهو الذي بدأ حياته العملية فيه تلميذاً نجيباً في مدرسة الراحل الحسين، ورغم تنقله في العديد من المهام الوطنية سفيراً في واشنطن ووزيراً للخارجية، وعضواً فاعلاً في مجلس الأعيان، أو حتى رئيساً للوزراء مرتين، فإن قلبه وعقله ظلاّ في الديوان، لإدراكه أن البوصلة تتحرك هناك، لتحدد الاتجاهات على ضوء المصلحة الوطنية، والحفاظ على الدولة وتعظيم منجزاتها، وهو يعود اليوم عارفاً بكل المسالك، ليقود مرحلة أرادها القائد خطوة متقدمة على طريق الديمقراطية الذي لاطريق سواه، فيباشر المشاورات مع المجلس النيابي الجديد، للتوصل إلى حكومة قادرة على التعايش مع المجلس النيابي أو منبثقة منه، لتستمر المسيرة المتصاعدة نحو الغد المأمول.
يعود الدكتور فايز إلى الديوان في مهمة ليست سهلة، وفي مرحلة التحولات التي يشهدها بلدنا والمحتاجة فعلاً إلى سياسيين محترفين ذوي كفاءات معروفة وقبل كل ذلك وفوقه مشهود لهم بالنزاهة من جهة وموثوقون من حيث انتماؤهم إلى تراب الأردن وليس سواه، قادرون على الجهر بكلمة الحق بشجاعة رغم الأثمان التي يدفعونها مقابل ذلك، وليست سهلة مع غياب كتلة كبيرة في المجلس النيابي قادرة على الحسم في اختيار رئيس الوزراء القادم، وهو بذلك مدعو للتواصل مع كل واحد من النواب، على اختلاف ميولهم ومشاربهم، لكن خبرته السياسية الممتدة لعقود ستكون سنداً له في مهمته التي اختاره القائد للقيام بها، وهو على ثقة بأنه خير من يتحملها، وينجح في أدائها، وهو العارف بمفاصل الدولة، والقادر على تحريكها، بما يخدم المواطن ويحقق طموحاته،
يحتاج الأردن في هذه المرحلة إلى السياسيين المحنكين، ذوي الخبرات المتراكمة، لحفظ التوازن في عمل الدولة، خصوصاً ونحن على ثقة بالتزامه التوجيهات الملكية، بخصوص العملية الإصلاحية المتدرجة، التي نشهد فصولها العملية يومياً، وهو بالتأكيد خيار ناجح يبتعد بنا عن حلبة التجريب التي لم تنتج خيراً، كما يبتعد بنا عن تسليم نواصي الأمور لسياسيين طامحين، لم يخوضوا التجربة، ولم يتدرجوا في العمل العام، وكل ما يميزهم هو طموحاتهم الشخصية، بينما أشبعت تجربة الطراونة كل طموحاته، حين وصل إلى كل المواقع المتقدمة في إدارة الدولة، ولن ننسى أنه كان مهندس عودة العلاقات الأميركية الأردنية إلى سابق عهدها بعد الفتور الذي شابها نتيجة الفهم الخاطئ للموقف الاردني من غزو صدام حسين لدولة الكويت، وكذلك إعادة وصل ما انقطع من علاقات بين الأردن والكويت حيث تمكن بمبادرة شخصية وخلّاقة من إذابة الجليد الذي كان يغلف العلاقات بين البلدين.
فايز الطراونة ظل طوال سنوات خدمته حاضراً لتلبية نداء الوطن والواجب والمسؤولية، وهو لم يبتعد يوماً عن حلبة السياسة، بغض النظر عن الموقع الذي يشغله، وهو يعود اليوم إلى المربع الذي انطلق منه، ليرسخ قناعة القائد بأن الديوان كان وسيظل بيت الأردنيين جميعاً، والأقرب إلى وجدانهم ونبض قلوبهم، وهو يعود إلى الموقع مسلحاً بإيمانه بضرورة الإصلاح مع الحفاظ على هيبة الدولة، وهو كما نعرف يؤمن بضرورة خلق حالة من التعاون والتكامل بين السلطات وقادر على التشبيك بين السلطتين التنفيذية والتشريعية وبحيث يظل « المقر العامر « مرجعيةً للجميع في سعيهم لخدمة الوطن والمواطن.