الحل في صناديق الإقتراع


مل الفلسطينيون وأصدقاؤهم ، جلسات الحوار ، ولقاءات التفاهم ، وإجتماعات فتح مع حماس ، فالحكي عن التراجع عن الإنقلاب وإنهاء الإنقسام وإستعادة الوحدة ، كثير ، وما أكثره ، والفعل على الأرض محدود ، ويتعارض مع أماني الشعب المعذب ، وعذاباته غدت مضاعفة ، إذ كان سببها واحد هو الإحتلال وبات معذباً من سببين هما الإحتلال والإنقسام معاً .

مل الفلسطينيون من الجلسات واللقاءات والواسطات ، والحل يكمن في غزة ورام الله ، وعبر وسيلة واحدة وعنوان واحد ، لا غيره هو الإنتخابات ، فالإنتخابات أساس الشرعية ومصدرها وأداتها ، ولا وسيلة ولا إدعاء بإمتلاك الشرعية بدون إنتخابات ، رئاسية وتشريعية وبلدية .

لقد إنتهت ولاية الرئيس ، مثلما إنتهت ولاية المجلس التشريعي ، وباتا بلا شرعية حقيقية ، بعد أن فقد موقع الرئيس وموقع المجلس التشريعي ولايتهما ، وعليهما أن يحتكما لصندوق الأقتراع لتجديد شرعيتهما وولايتهما ، إذا كانا حقاً يحترمان مصدر شرعيتهما وهو شعب الضفة والقدس والقطاع ، الذي منحهما الشرعية والسلطة ومؤسسة صنع القرار .

الرئيس أبو مازن يتحدث غير مرة ، على أنه لن يرشح نفسه لولاية أخرى ، وهي بادرة يفترض على حركة حماس أن تلتقطها وتعمل على توظيفها لمصلحة تعزيز مكانتها ، فالرئيس لن يترشح لأكثر من سبب بعضه إختياري وبعضه الأخر لدوافع خارجة عن إرادته تتمثل بما يلي :

أولاً : لأن متطلبات الرئاسة متعبة وإستحقاقاتها قاسية ، لرجل كان معروف عنه الترفع في المناصب والمواقع ، وكان يعمل على صناعة الحدث والتأثير على صنع القرار بدون التقدم لإبراز دوره وموقعه في مصدر صنع القرار في فترة الرئيس الراحل ياسر عرفات .

ثانياً : يتوسل إنهاء ولايته ، وقد أعاد للمؤسسة الفلسطينية وحدتها ، بعد أن تم الإنقلاب والإنقسام وغياب الوحدة في عهده ، ولذلك لديه رغبة جامحة في إنهاء تداعيات ما جرى في حزيران 2007 ، ليبقى ما أنجزه في كانون ثاني 2006 هو العنوان ، فقد سجل أن في عهده جرت الإنتخابات التشريعية الثانية ، التي تتباهى حركة حماس أنها كانت شفافة ونزيهة ، وحققت من خلالها الأغلبية البرلمانية ، وحقيقة الأمر أن هذه الإنتخابات جرت في عهد أبو مازن وحركة فتح والأجهزة الأمنية التي إنقلبت عليها وضدها حركة حماس ، وحققت من خلالها الأغلبية وسلّم بنتائجها الرئيس أبو مازن ، وعليها كلف إسماعيل هنية بإعتباره زعيم الأغلبية ، كلفه بتشكيل الحكومة الإنفرادية الأولى ، والحكومة الأئتلافية الثانية قبل الإنقلاب ، ولهذا يُسجل للرجل أن سلّم بالنتائج ورضخ لإفرازات صناديق الإقتراع وإحترم خلاصاتها ، وتعامل معها ، مع نتائجها بروح من المسؤولية الوطنية بصرف النظر عن إتفاقه أو خلافه مع حركة حماس .

ثالثاً : أنه يدرك أن ثورة الربيع العربي التي أطاحت بقيادات لا تقل أهمية عنه إن لم تزد من حسني مبارك وزين العابدين بن علي وعلي عبد الله صالح ومعمر القذافي ، لم تصمد في مواقعها لفقدانها الشرعية المنبثقة من صناديق الإقتراع ، وهو لا يستطيع البقاء بدون هذه الشرعية وبدون تجديدها سواء له أو لغيره ، وهذا ما يجب أن تفهمه وتعيه حركة حماس وتدفع ثمن إستحقاقه ، فالقيادات التي سقطت أيضاً كان لها تاريخ سياسي مشرف ، فحسني مبارك كان أحد أبطال أكتوبر ، ومعمر القذافي محرر ليبيا من القواعد الأميركية ، وزين العابدين بن علي أبو العصرية والحداثة ، وعلي عبد الله صالح موحد اليمن ، ولكنهم غاصوا في الذاتية ، واللون الواحد ، ورفض الأخر ، وإفتقدوا لشرعية صندوق الإقتراع فحصل ما حصل لهم ، ومعهم .

رابعاً : يدرك أبو مازن مدى صلابة وتطرف وعنجهية وعنصرية المجتمع الإسرائيلي وإنعكاس ذلك على حكوماتها ، وهذا يحتاج لبرنامج وطني طويل الأمد لزعزعة وتماسك المجتمع الإسرائيلي وقوته وإختراقه والعمل على كسب إنحيازات من بين صفوفه لعدالة المطالب الفلسطينية وشرعيتها ، مثلما يحتاج لبرنامج يهدف لتعرية السياسات الإسرائيلية وكشفها وعزلها ، وهو هدف وتطلعات لا يملك ترف الوقت لإنتظارها ، مع الإستيطان وتهويد القدس وأسرلة الغور وجعل الأرض الفلسطينية طاردة لأهلها ، والرئيس أبو مازن لم يعد رئيساً لشعب يحتاج لهذا البرنامج فقط ، بل أصبح خبيراً في المسألتين : أولهما في إختراق المجتمع الإسرائيلي ، وثانيهما : في كسب الرأي العام العالمي لصالح قضية شعبه وعدالتها ومع ذلك فعامل الوقت ليس لصالحه .

عوامل عديدة تحتاج لصياغة الوحدة الفلسطينية على أساس العوامل الثلاثة : وحدة البرنامج ووحدة المؤسسة ووحدة الأدوات الكفاحية لمواجهة العدو المتفوق ، ولذلك يعي أبو مازن واقعه ويحترم نفسه ليترك الموقع والمسؤولية لغيره لعله يقدم نموذجاً أمام شعبه الذي يستحق قيادات توازي تضحياته وبسالته وصموده ، فلكل زمان قيادات ورجال ، وقيادات الشعب الفلسطيني المستقبلية يجب أن يفرزها الواقع المعاش في الضفة والقدس والقطاع ، وهي قيادات الغد المتأتية من نتائج صناديق الإقتراع كما يحصل لدى العدو نفسه ، فإذا كانت القيادات الإسرائيلية تتجدد عبر صناديق الإقتراع ، فالشعب الفلسطيني لا يملك خياراً أخر سوى تجديد قياداته عبر نفس الوسيلة الديمقراطية وعبر إنحيازات الناخبين ونتائج صناديق الإقتراع ولا طريق أخر .

h.faraneh@yahoo.com