الديمقراطية ثقافة وممارسة

 


الديمقراطية بالأساس ثقافة وسلوك، وليست فقط آلية الاحتكام إلى الصندوق، والاصلاح السياسي فكر وممارسة وليس شعارات وفماً كبيراً.
نقول هذا بين يدي محاولة متواضعة لقراءة تنويعات الحالة الديمقراطية العربية، من تونس الى الاردن ومصر، ولا نريد أن نذهب أبعد من ذلك باتجاه دول ليس عندها من الديمقراطية لا شكل ولا جوهر.
بداية ليس من الصعب اكتشاف أن ثقافة الديمقراطية ضمن المنطقة العربية ثقافة سطحية وغير أصيلة، ليس عند الشعوب فقط، بل عند النخب السياسية ايضا، وقد يكون لذلك اسبابه، وربما نحتاج إلى سنين طويلة لتطوير ممارسة ديمقراطية معقولة؛ الأمر الذي يدفع البعض إلى إظهار التفهم لمقولات قديمة بأن الحالة العربية لا يصلح معها ديمقراطية واطلاق الحريات، بل نظم حكم فردية وشمولية، كنوع من الوصاية على أداء الناس وضبط سلوكهم السياسي!!
المشكلة هنا مزدوجة، فالانتخابات إجمالاً لا تجري على أساس واضح من المشاركة السياسية، واكتمال الوعي بما تعنيه الانتخابات عند عموم الناخبين؛ فالعملية تكاد تختزل في حالة متكاملة من التحشيد العائلي المناطقي الاثني، واخيرا المالي، وحتى التحشيد السياسي -للأسف- يختلط بالكثير من الدعاية الغوغائية غير الواعية، ولهذا لا غرابة أن ينجح هامشيون سطحيون وبفارق أصوات مذهلة، وأن يرسب آخرون أكفَاء وبصورة مدوية.
أما الممارسة السياسية بعد الفوز فهي تتأرجح بين الفوضى والعجز، فليس ثمة برامج سياسية حقيقية، وليس ثمة مرشحون أكفَاء قادرين على ترجمة البرامج الى واقع، يترافق مع ذلك غياب ثقافة التسليم بنتيجة الصندوق واحترام ما افرزته الانتخابات.
ما يدخل البلاد في دوامتي: تنازع الشرعية وغياب القدرة على العمل والانجاز، وصولا الى الفوضي وارتفاع منسوب اليأس من العملية الديمقراطية العبثية كما يردد محبطون (!!)، ليتباكى بعضنا على عصر الديكتاتوريات، ويستنجد بمن ذهبوا من حكام مستبدين ملهمين!!
اظن اننا بحاجة ليس فقط إلى قانون انتخاب محترم، ولكن ايضا الى تقاليد وممارسات محترمة، تركز على الجوهري لا المظهري، وتترفع عن الدعاية الرخيصة مثلما لا تقترب من استخدام المال الحرام، وان ندرك ان المجالس النيابية ليست للوجاهة وتحقيق المكانة الاجتماعية، ولكنها لتجويد الاداء السياسي والرقابي على اعمال الدولة، وتقديم البرامج السياسية والاقتصادية والاجتماعية، القادرة على إيجاد حلول لمشكلات المجتمع.
إن الأصل في الديمقراطية احترام الارادة الشعبية على الحقيقة وبالمعنى الدقيق، لا بالتدليس واصطناع الشرعيات، فالقانون الانتخابي المتخلف الذي يوزع المقاعد "لحم اضاحي" على المحاسيب تدليس، وفتح الباب واسعا لعمليات شراء الاصوات تخريب وتدليس، ولا يختلف كثيرا عن ذلك استخدام أساليب الخداع والتضليل لكسب تعاطف الناخبين. فأي دعاية لا تخاطب عقل الناخب وضميره بنزاهة هي دعاية تخريبية تحتال على إرادة الناس، تماما مثلما أن أي قائمة او حزب او مرشح فرد، لا يقدم برنامجا سياسيا واقتصاديا ويكون جديرا بحمله، فإنه يمارس تدليسا وتخريبا وخداعا، يستحق التجريم والعقوبة في آن معاً.
الديمقراطية ليست عصبوية ضيقة، ولا انغلاقاً على الذات، ولا سعياً وراء شهوة السلطة والتسلط، الديمقراطية انفتاح على الفضاء العام، تفاعلا وخدمة، إنها عملية بناء وتحمل للمسؤولية، وتمثيل صحيح لإرادة الناس.