لماذا فشل سكن كريم !!!

عندما يقوم موظفو الحكومة بدور رجال الاعمال والمستثمرين فمن الطبيعي أن تكون النتائج كارثية. مشروع سكن كريم لعيش كريم مثال صارخ على ذلك.
عندما طرح المشروع لحل مشكلة السكن لذوي الدخل المحدود ، تطوعت الحكومة بالقيام به بدون كلفة تذكر. وقد اجتمع وزير الأشغال العامة في حينه بمجموعة من الصحفيين وشرح لهم المعادلة الذكية التي تؤمن آلاف الشقق للتوزيع دون أن تتحمل الخزينة فلساً واحداً.
قال الوزير أن الحكومة ستقدم الأرض والبنية التحتية ، وتطرح العطاءات على المقاولين بحيث يتم بناء 20 ألف شقة ، نصفها للمتعهد لبيعها تجارياً ، والنصف الثاني يسلم للحكومة مقابل الارض والبنية التحتية.
بعبارة أخرى فإن تنفيذ المشروع بهذه الطريقة يؤدي بالنتيجة إلى وضع عشرة آلاف شقة تحت تصرف الحكومة مجاناً لبيعها لمحدودي الدخل بالسعر الذي تجده مناسباً ، وتحقق حصيلة تغطي بها ثمن الأرض وكلفة الخدمات.
سار المشروع بإدارة القطاع العام ، وقام موظفو مؤسسة الإسكان والتطوير الحضري بدور المستثمر ورب العمل ، فماذا كانت النتيجة؟.
تم بناء 8448 شقة بكلفة تناهز 400 مليون دينار ، وتم بيع ثلثها فقط ، بأقل من نصف الكلفة ، وبقي الثلثان لا يجدان المشترين لأن المصنعية سيئة والموقع بعيد وخدمات المباني غير متوفرة ولا تؤمن العيش الكريم.
حتى لو تم بيع باقي الشقق بعد عمر طويل ، بالسعر المقرر الذي يقل عن نصف الكلفة ، فإن الخسائر النهائية للخزينة تفوق 200 مليون دينار.
ديوان المحاسبة الذي كشف هذه الحقائق المرة يلوم الدوائر الحكومية ذات العلاقة التي اضطلعت بالتخطيط والتنفيذ والإشراف على المشروع ، وكأنه كان يتوقع نتيجة مختلفة ، وأن المفروض بالأجهزة الحكومية أن تتحلى بنفس الكفاءة المتوفرة لدى القطاع الخاص.
بعد كل التجارب المرة في ميادين الإسكان والصناعة والاتصالات وغيرها ، ما زال بيننا من يدعو بالصوت العالي للعودة إلى القطاع العام ، ويناقش في جدوى التخاصية ، ويطالب بإلغائها بأثر رجعي ، بل إن بعضهم تجرأ على لفظ كلمة تأميم.
الأردن قد يكون البلد الوحيد الذي تتم فيه المناقشات والحوارات وتشكل اللجان لإثبات البديهيات التي فرغ العالم منها وتجاوزها منذ زمن.