الإنتخابات الأردنية : نجاح وفشل



نجحت الإنتخابات التشريعية في الأردن ، في ظل مستجدات سياسية ، أفرزتها ثورة الربيع لتحقيق غرضين : أولهما أن يكون رؤساء الجمهوريات العربية ، منتخبون ، من صناديق الإقتراع ، كما حصل في مصر وتونس وليبيا واليمن ، وثانيهما أن تكون حكومات الأنظمة الملكية ، حكومات برلمانية حزبية ، كما حصل في المغرب ، وكما يجب أن يكون في الأردن .

على خلفية تداعيات ثورة الربيع العربي ، إتخذ القرار السياسي في عمان ، بالإستعجال لإجراء الإنتخابات النيابية لمجلس النواب السابع عشر يوم 23/1/2013 ، وفي ذهن صاحب القرار عاملين أولهما أن قطار الربيع العربي توقف في المحطة السورية وبالتالي عليه أن يوفر حائط الصد ليحميه من تداعيات الربيع العربي الأردني ، وثانيهما إن الحراك الإحتجاجي لم يصل إلى المستوى ليكون مؤثراً بما فيه الكفاية ولذلك عليه توظيف ضعف المعارضة لتجديد شرعية النظام عبر صناديق الأقتراع ، وبشكل إصلاحي تدريجي ، ولذلك جاء تجاوب صاحب القرار لمطالب قوى المعارضة السياسية والحزبية محدوداً ،وتمثل بإجراء تعديلات دستورية وصفها الملك عبد الله نفسه على أنها غير نهائية ، وكذلك بصياغة قانون إنتخاب وصفه الملك أيضاً على أنه غير مثالي ، وهذا يعود إلى قوة القوى المحافظة ونفوذها داخل مؤسسات صنع القرار ، والتي راكمت نفوذها داخل المؤسسات الرسمية ، من خلال عشرات السنين ، في غياب التعددية والديمقراطية ، وتغييب العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص بين الأردنيين ، حيث التمييز والمحاباة ولحساب أردنيين وكلفتها على حساب أردنيين .

جرت الإنتخابات النيابية ، على قاعدة قانون إنتخاب يضمن للناخب صوتان ، واحد للدائرة المحلية والثاني للدائرة الوطنية ، والدائرة الوطنية توفر لأول مرة للبدوي أن ينتخب إبن المخيم ، وإبن المخيم ينتخب إبن الريف ، وهكذا تتوفر فرص العدالة والمساواة لكل الأردنيين ، في أن ينتخبوا بعضهم بعضاً بعيداً عن الجهوية والعشائرية ، وهي تجربة جديدة ، دفعت أغلبية الأردنيين للرهان على القائمة الوطنية ، حيث تجاوز عدد المرشحين للقائمة الوطنية عن 850 مرشحاً إنتظموا تحت يافظة 61 قائمة وطنية ، وتنافسوا على 27 مقعداً فقط ، بينما إقتصر عدد المرشحين عن الدوائر المحلية على أقل من 600 مرشحاً ، مع أن عدد المقاعد للقوائم الوطنية 27 مقعداً من أصل 150 مقعداً عدد مجلس النواب المنتخب وبما لا يزيد نسبتها عن 18 بالمائة ، ولذلك وصفت على أنها تمرين إنتخابي لمستقبل الإنتخابات على أساس القوائم الوطنية المتوقع أن تتغير نسبتها إلى المناصفة بينها وبين الدوائر المحلية في الدورة المقبلة بعد أربع سنوات ، لتحقيق هدف الإصلاحات وهو الوصول إلى حكومات برلمانية حزبية .

لقد نجح خيار الدولة ، في إجراء الإنتخابات المبكرة ، لتجديد شرعية النظام عبر صناديق الإقتراع وترسيخه بإعتباره أداة الشرعية ، وفشل الإخوان المسلمين في رفع الغطاء عن شرعية النظام برفع شعار " غياب الشرعية الشعبية " عن النظام ومؤسساته وإجراءاته ، وهذا هو جوهر الصراع السياسي بين الطرفين ، بين الدولة من طرف وبين الإخوان المسلمين من طرف أخر .

لقد مر الصراع السياسي بين الدولة – النظام وبين الإخوان المسلمين ، منذ إنفجار ثورة الربيع العربي ، بثلاثة محطات هي :

أولاً مرحلة الحوار ، حيث جرى الحوار الأول بين الإخوان المسلمين ومدير المخابرات ، وفشل بينهما بعد أن فهم كل طرف مطالب الطرف الأخر ، وبدون أن يتجاوب أحدهما لمطالب الأخر على قاعدة الوضوح والمكاشفة ، وجرى الحوار الثاني بين الإخوان المسلمين ورئيس الوزراء عون الخصاونة ، وتم التوصل بينهما إلى تفاهم ، رفضه الملك عبد الله وأقال حكومة الخصاونة .

الثانية مرت عبر مرحلة الدعوة لإجراء الإنتخابات النيابية ، فلبى دعوتها ورحب بها كافة الأطراف المؤيدة للنظام والتي تعتبر قاعدته الإجتماعية ، ورفضها علناً حركة الإخوان المسلمين ، الذين سعوا عبر رفضهم للإنتخابات ، رفض شرعية الإجراءات وصولاً للتشكيك بشرعية النظام نفسه من خلال رفع شعار " لا شرعية شعبية للنظام " بينما إتخذت الأحزاب اليسارية والقومية المعارضة والحليفة للإخوان المسلمين ، إتخذت قراراً برفض مقاطعة الإنتخابات وعملت على تغيير القانون وتعديله ، ومع ذلك إنتقلت من موقع " عدم المقاطعة وعدم المشاركة " إلى قرار المشاركة ، ووجهت بقرارها هذا لطمة سياسية قوية ضد الإخوان المسلمين وبرنامجهم ، حيث لم يقدروا قيمة وأهمية الأحزاب اليسارية والقومية في الحياة السياسية الأردنية ، وقيمة موقفها وأهمية إنحيازها لهذا الموقف أو ذاك .

أما المرحلة الثالثة فتمثلت في جوهر العملية الإنتخابية على مستوياتها الثلاثة وهي التسجيل والترشيح والأقتراع :

ففي عملية تسجيل الناخبين في قوائم الناخبين تجاوز عدد الأردنيين الذين يحق لهم التسجيل في قوائم الناخبين ، من سبعين بالمائة حيث قفز عددهم عن المليونين وربع المليون ، وشارك في عملية التسجيل كافة الأحزاب السياسية بما فيها الأحزاب اليسارية والقومية .

ولدى فتح بوابة الترشيح وصل عدد المرشحين إلى 1450 مرشحاً وهو رقم قياسي ، لم تبلغه الدورات الإنتخابية الستة الماضية منذ عام 1989 ، والتي لم يتجاوز عدد مرشحيها عن 700 مرشحاً ، وزيادة عدد المرشحين لهذه الدورة يعود لوجود قوائم وطنية ، دفعت قطاعات واسعة من الحزبيين والمهتمين والطامحين للترشح .

وفي العملية الأخيرة لمحطات الإنتخاب ، كانت محطة الأقتراع قد تجاوزت 56 بالمائة من عدد الذين يحق لهم الأقتراع ، وهي أيضاً نسبة تفوق نسب المشاركة في الدورات السابقة : 1989 ، 1993 ، 1997 ، 2003 ، 2007 ، 2010 .

معركة إنتخابات مجلس النواب السابع عشر في الأردن ، معركة سياسية بإمتياز ليس لها علاقة بإستحقاقات الأردنيين الدستورية ، بقدر ما كانت معركة سياسية إستهدفت تجديد شرعية النظام للمشاركين بالإنتخابات ، من طرف ، والتشكيك بشرعية الأجراءات ، للمس بشرعية النظام ليسهل الأنقضاض عليه من طرف الإخوان المسلمين ، معتمدين في ذلك على ثلاثة عوامل هي :

1- قدراتهم الذاتية كحزب قوي معارض 2- على حركة الإخوان المسلمين العابرة للحدود في العالم العربي و 3- على تفاهمهم مع الأميركيين ، ومع ذلك لم ينل الإخوان المسلمين مبتغاهم في هذه المعركة المكشوفة سياسياً بين طرفي الصراع .





h.faraneh@yahoo.com