في البحث عن الرجولة
ركب الله في نفوس الرجال والنساء انجذابا وحاجة الى بعضهم وجعل لها مهذبات من العقل والدين والمروءة؛ لكيلا يصبح الإنسان شهوانيا يجري وراء كل ما استفز الحواس، والمرأة لا يعجبها في الرجل شكله بقدر ما يعجبها أخلاقه ومنطقه وتعامله. وفي مجتمعنا ليس هناك تركيز على هيئة الرجل بقدر الاهتمام بجمال المرأة بل إن من عادة الآباء الدارجة في الحديث أن يقولوا لمن يخطب بناتهم «احنا بنشتري رجل»، فما هي بعض صفات ذلك الرجل الذي درج في ثقافتنا أنه غال ووجوده نادر لدرجة أنه يُشترى بالمال؟!
أهو الفارس على الحصان الأبيض؟ أهو الدنجوان الجميل؟ أهو الثري المكتنز؟ أهو الشاب العصري «cool» الذي تستعبده أحدث الصيحات والتكنولوجيا؟
هل اختلفت مقاييس الرجولة الحقة في أيامنا؟ ماذا تريد المرأة من الرجل مهما علت درجاتها أو تواضعت؟ ماذا تقول لنا الأمثلة التاريخية عن الصفات والتغيرات؟
لو بدأنا برجال قريش من الأعراب فقد كانوا يوصفون بالشجاعة والحزم والكرم والسيادة ولكنهم كانوا يعاملون النساء كسقط المتاع وبلغوا أقصى درجات الوحشية والإجرام بقتلها حية وكان وجودها اضطراريا لاستمرار الحياة فهل كان هؤلاء رجال بفطرة سليمة وطباع نبيلة؟
كيف انقلب من قتل يوما ابنته كعمر بن الخطاب لتبكيه دموع امرأة أرملة وطفلة يتيمة ويتحمل غضب زوجته وتحركه شكوى زوجة تفتقد زوجها المجاهد في الحرب وهو الذي كان يهابه أشد الرجال؟!
إن هذا ليثبت أن الرجولة ليست صفة خَلقية تولد مع جنس الذكور أو تنتقل في جيناتهم بل هي صفة مكتسبة قد تكتسبها حتى النساء إذا تحلين بالحزم والقدرة على التأثير ووضع الندى في موضع الندى ووضع السيف في موضع السيف ولكم شهد التاريخ لمثل هؤلاء النساء.
سيدنا آدم، ابو البشر، والرجل الأول لم يخفِ حزنه على فقد حواء بعد نزوله الى الأرض الى أن اجتمع معها ولم تمنعه رجولته أن يفتقد وجود المرأة في حياته ويحس بنقصه في غيابها. تريد المرأة رجلا كسيدنا آدم يجعلها تشعر أنها تكمله وأن حياته بدونها مختلة ومستحيلة.
سيدنا موسى عليه السلام برغم همومه وخوفه لم تقبل له نخوته أن يترك الفتاتين لتخوضا مع الرجال بل سارع الى خدمتهما والسقاية لهما.
المرأة تريد رجلا يبذل من نفسه لتسعد ويتعب جسده لترتاح ويجوع لتأكل ويتأخر ليقدمها واللا فما معنى وقيمة أن يكون قواما عليها؟!
المرأة تريد رجلا تحترمه بأخلاق فاضلة تترفع عن الدون وعن نهج العامة من الرجال ولا يكتفي بالصلاح العام في نفسه فقط او حتى بتأدية العبادات، ولذا قال سيدنا عمر: «لا تنظروا الى صلاة امرىء ولا صيامه ولكن انظروا الى عقله وصدقه ولا يعجبكم طنطنة الرجل ولكن من أدى الأمانة وكف عن اعراض الناس فهو الرجل».
تريد المرأة رجلا بنموذج الكمال المحمدي: حنوّ وعطف وسعة واهتمام وحرص وعفو وتجاوز حتى في أشد حالات الخصومة يوم طالبته نساؤه وشددن عليه في الإنفاق فما رفع يدا ولا صوتا ولا قرع ولا شدد ولا راجع بل اعتزل هنيهة لصفاء الذهن والقلب حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا.
كان النبي الذي يستقبل وحي السماء والقائد الذي يسير الجيوش والمعلم الذي يهذب البشرية ومع ذلك كان أيضا المحب الرقيق الذي يقول لعائشة حبك في قلبي كالعقدة المشدودة التي لا تنحل، وكان اليد والعون والسند التي تخدم وتساعد في البيت والمؤنس الذي يرفه عن نساءه ويسابقهن ويمتعهن.
المرأة تريد رجلا تتألق به اذا كانت صاحبة علم أو مال أو انجاز كما تألقت السيدة خديجة بصحبة سيدنا محمد في حياتها وحصلت في الآخرة منزلة متفردة بُشرت بها قبل موتها «بشر خديجة ببيت في الجنة من قصب لا نصب فيه ولا صخب».
المرأة تريد رجلا يشعرها بأنوثتها وبأنها ملكة حاكمة متوجة في ميدان القلب والبيت فينزل من عليائه وحكمته كمعاوية بن أبي سفيان الذي كان من دهاة العرب وكان ايضا زوجا يقدر الجمال والقرب فقال لأحد أصحابه: «فكيف لو رأيتنا نقبل الأيادي» في إشارة لزوجته.
المرأة تريد رجلا يسعى لإرضائها يرد الفضل بالشكر ويسارع الى الخير ولا ينسى في الغضب ولا يشتط عند الغضب، يكون وطنها اذا اغتربت، ومالها اذا افتقرت، وفرحها اذا حزنت، وظهرها اذا مات الأب، وحضنها اذا غابت الأم، وسندها اذا عق الأخ، وكمال أمرها لو أسعدتها الدنيا، وجبر كسرها لو أشقتها.
الرجال شكليا موجودون بكثرة ولكنهم يستقوون على المرأة زوجة وابنة واختا ورحما ولا تنجو من سطوتهم في البيت والحياة الا القليلات، والرجال الأفاضل حقا يُشترون بالمال.
لقد بحث الرسول صلى الله عليهو سلم في الشدة أيضا عن الرجال «فقال ألا رجل يكلؤنا الليلة؟» والكلأ بمعنى الحفظ والرعاية والزاد والأمان، وما زال البحث جاريا ومن وجد ضالته فقد حصل قرة العين ومن لم يجد فلا يجب أن يرضى بأنصاف الحلول.