هل تحققت النزاهة ؟؟


لم يدر جدل واسع حول أي من مجالس النواب السابقة كما دار قبل وأثناء ويدور بعد تشكل المجلس الحالي. ولم يحظى مجلس باهتمام رسمي وإعلامي وشعبي كما حظي المجلس الحالي. والجدل القائم حاليا له الكثير من المبررات والبراهين التي تعطيه الأهلية في ظل الصمت الرسمي وعدم توضيح الحقائق ودحض الدسائس إن وجدت. ويبدو أننا أمام مجلس يعج بأصحاب المال الذين أينما تواجدوا غالبا ما يكونوا على وفاق مع مؤسسات الحكم وليس من صالحهم الإبتعاد عن خط الحكومات. وهناك الوسط الإسلامي الذي نجح بأن يكون بديلا عن الوجود الإخواني الحرّاق لضمان وجود إسلاميين لكن معتدلين. وللحق نقول أن الوسط الإسلامي نجح بالوصول للكثيرين خصوصا النساء من خلال حملة إعلامية درست جيدا بحيث أفرزت لهم أنصارا كثيرون وهذا يدلل على وسطية الأردنيين وعدم وجود نزعة متطرفة لديهم.
والوسط الإسلامي يبدو قريبا من الخط الحكومي بقدر ما هو قريب من الخط الشعبي وهذا ما يجعله يتصف بالوسطية والتوازن ومسك العصا من المنتصف. وهذا من الحكمة والواقعية آملين أن لا تتغلب جهة على أخرى مستقبلا مذكرين بقسم النائب د.زكريا الشيخ " قسما لن يُؤتينّ الدين أو الوطن من قبلنا " وهو أروع وأسمى قسم سمعته. وعند استعراض الأسماء الجديدة بخلفياتها الإجتماعية والسياسية نخلص للإنطباع الذي يميل لطوعية المجلس وليونته إذ تكاد تشح الأسماء ذات التاريخ غير المهادن. هذا مع تقديرنا للفائزين ولا نشكك بوطنيتهم وغيرتهم على الأردن وهذا هو الأهم, لكن مع تحفظنا على مدى الصلابة والصمود والإستمرارية والنفس الطويل لترجمة شعاراتهم والعمل على تنفيذ قناعاتهم وبرامجهم المعلنة واقعا ملموسا. وهذا المجلس سيكون تحت المجهر الرقابي من الشعب والأحزاب لكونه أتى بظروف استثنائية وتوليفة مستحدثة وإخراج مدروس. كما صاحبته تحديات وتشكيكات ومحاولات إفشال وحكم مسبق على ضعفه.
التشكيك والشك والجدل القائم من قبل فائزين وخاسرين ومراقبين ومهتمين في ظل التأكيدات والتعهدات على تحقيق النزاهة التي سبقت عملية الإقتراع, كله يؤشر لوجود خلل شاب العملية. فهناك بعض المترشحين الذين لم يحرزوا صوتا واحدا من قبل دائرتهم الضيقة المكونة من أفراد الأسرة والإخوان وأبناء العمومة. وهناك بعض الأسماء المشهود لها بالوطنية والصدقية والجرأة بقول الحق والغيرة على الوطن أمثال السيد محمد داوودية الذي لم يحالف الفوز قائمته رغم طروحاته الوطنية التي تتخذ الغيرة على الأردن نهجا والإصلاح عنوانا والتغيير طريقا للوصول بالأردن لبر الأمان والوضع الذي يعمل على خلقه كل الغيارى.
فهل يا ترى قول الحق وإظهار الحقيقة ونفض الغبار عنها يصنف صاحبه بفئة المغضوب عليهم؟؟ هل من ينافق ويتملق ويتسلق ويداهن ينال عضوية فئة اًصحاب الحظوة؟؟ هل الوطن ومصيره ومستقبله أقل أهمية من الذين أفسدوه وباعوه وما زالوا بعيدين عن قبضة العدالة؟؟ مؤشرات كثيرة تعود علينا بالإيجاب عن هذه الأسئلة من قبل من يديرون شأننا العام. وهذا بدوره يقودنا للإحباط واليأس عندما نرى الإقصاء ولو سلميا لبعض الغيورين بالتزامن مع الحرص الشديد على مشاعر وكيان عرابي الفساد والإفساد والإفقار والذين رصيد ثمن سيجارهم يوفر فرص عمل لمئات المتعطلين. بعد هذا الكشف نكون بلا عقول إذا لم نتحفظ على نمطية الإصلاح والنظر لها كشكل دون مضمون. وهذا لا يعني رفضنا لما تم من مقاضاة لبعض الرموز ولكن كنا ننتظر التسريع بالعلاج والضرب على مقتل.
ما شاهدناه على الفضائيات وسمعناه من تعليقات وتحليلات ورصد لردود فعل الناخبين والمترشحين وسرد للخروقات والتجاوزات والغموض الذي لف بعض ما جرى ببعض مراكز الإقتراع والتأخر لأسباب غير مقنعة بإعلان نتائج فرز بعض الصناديق بالأولى السلط والأولى إربد, فهو يدلل على وجود أسباب زعزعة الثقة بالنتائج ومصداقيتها. وللحقيقة, لست ممن يرغبون بالتشكيك وخلق مناخ يخلو من الطمأنينة بل هناك من الأسباب التي تدفعنا للوقوف والتمسمر جراء الصدمة بعد أن تمت طمأنتنا لحد كبير بتوفر النزاهة الكلمة التي ترددت على الألسنة ملايين المرات وبدأنا نجري حساباتنا ونبني توقعاتنا على أن كلمة " نزاهة " أصبحت عنوان المرحلة القادمة.
ما عرضته النائب السيدة رلى الحروب من دليل دامغ لا يداخله الشك يجعلنا ننضم للقائلين بوجود تخطيط ذكي يجعل من عملية تشكيل كتل نيابية داخل المجلس عملية صعبة وسهلة بالوقت نفسه. صعبة لتباين الخلفيات الإجتماعية والسياسية وسهلة في حال أن الفائزين بغالبيتهم تم تنجيحهم للأسباب الآنفة الذكر والتي لم نسمع نفيا أو توضيحا لها من قبل من أداروا الإنتخاب والفرز. وبالحالتين الشعب هو الخاسر والدولة هي الرابحة لمجلس يفتقر للتوافق أو متوافق بالطريقة التي ترضاها وتريدها الدولة. ولا ننسى أن المجلس يفتقر للأسماء ذات البريق الشعبي التي نتوقع منها الصمود وعدم التراخي وعدم الخضوع للضغوطات المالية ومجاملة الفاسدين وتمرير رغبات محاربي الإصلاح.
إن التأكيدات والتطمينات على نزاهة الإنتخابات وبُعدها عن التدخل المعتاد وتتويج ذلك بتوجيهات جلالة الملك لدائرة المخابرات بعدم التدخل, تبين أن هذا قد تناسب عكسيا مع نزاهة النهج وسير الإنتخابات وحجم الإحتجاجات والفشل البعيد عن التوقعات لبعض الرموز الغيورة. إذن ما جدوى أن نستمر بترديد اسطوانة النزاهة والشفافية ونكررهما على مسمع من بالداخل والخارج؟؟ وصل الأمر لدرجة تستدعي المصارحة والتوضيح لتدارك عدم إفرازنا لمجلس قريب من سابقه الذي لم يكن عونا للمواطن بقدر ما كان عونا للحكومات إذ تشريعاته ومصادقاته وأحكامه على الفاسدين تثبت أنه كان صوتا وصورة للحكومات التي تتبدل بأشخاصها لا بنهجها المرفوض من كل أطياف الشعب باستثناء الفاسدين.
هناك تساؤلات وخروقات وتجاوزات وحالات تلاعب ننتظر من الهيئة المستقلة للإنتخاب الإجابة عليها وشرحها أو تأكيدها أو تفنيدها حتى تنجلي الحقيقة وينقشع الظلام الذي خيم على العملية برمتها. وبهذا نقطع الطريق على المتصيدين والمترقبين لاقتناص الأسباب التي تقود للإستقواء والتهييج. وإذا كان الكذب ينجي فالصدق أنجى وإن غابت الحقيقة لفترة فلن تغيب للأبد. الظروف تتغير والأحوال تتبدل مما سيدفع بالبعض لعدم السكوت والبوح بالمستور على مبدأ "علي وعلى أعدائي". وقد سبق لمسؤول أمني كبير جدا أن باح بما صنعه والذي ظل طي الكتمان لمدة ليست بالقصيرة وكشف المستور وإن كانت به إدانة له مقابل أن يصطلي جميع المشتركين بنار الحقيقة المؤلمة.
نأمل بالقريب العاجل أن يخرج علينا المعنيون للتوضيح حتى لا يبقى الناس في الظلام ولا يزيل الظلام إلا حقيقة النهار التي لن تتحقق إلا بمواجهة الجهات المعنية للشعب بالحقائق المقنعة. والتاريخ علمنا ألا نصدق بسهولة كل ما يلقى على مسامعنا والشواهد كثيرة والإعتراف سيد الأدلة.
حمى الله الأردن والغيارى على الأردن. والله من وراء القصد.