آلم في داخلي وسقم يغتالني


نفسي يضيق معلناً أنّ المرض وجد للإبتلاء ، وصداع يغمر رأسي معلنا أنّ للإنسان طاقة وقدرات ، وسقم يغطّي جسدي وهو القدير على أن يكشف البلاء، لربما هي الأولى من نوعها في حياتي كافة ، فلست أذكر أنني مرضت – بحمدالله- إلا بأقل ممّا أنا فيه الآن بالكثير ، ولكنّ الله صاحب الحكمة ، فإذا قضى أمرا كان فيه خيرا محتّما وهناءً مؤبّدا ، فهو علّام الغيوب ، ولا بدّ من حكمة أرادها ، وموعظة لي ولربّما لغيري ، ليكون تنبيها وإرشادا ، وليكون مغفرة ومآبا .

لا أشكي ألمي لأحد ؛ لأنّ الشّفاء بيد الشّافي المعافي ، فلا تشكو للناس جرحا أنت صاحبه لا يؤلم الجرح إلّا من به ألمُ ، ولكنّي أكتب كلماتي وأخطّ سطوري لعلّها تكون عبرة لي ولغيري ، ومنهجا دائما للرجوع إلى طريق معلوم ؛ هو طريق الإستقامة الذي يتوافق عليه قلبك مع عقلك ولا يعترضك فيه راشد مستقيم .

في هذه اللحظات يراجع المرء نفسه ، ولربما يصل به الحال إلى تذكر شريط حياته وذكرياته ، فيرى الجمال والسعادة ، وبالمقابل لا بدّ من وجود السّواد والتّعاسة ، ينظر إلى ذاته فيستذكر أيام الفرح والسّرور ، وتأتي أمامه لحظات الحزن والكآبة التي اجتاحت حياته فيما مضى من زمان .

في هذه اللحظات أتذكر تقبيلتي الأخيرة لوالدي – رحمه الله - ، وأتذكر قوله لي في آخر لقاء بيننا عندما قال ( الله يرضى عليك ) ، فوحدها عبارة تكفيني ، وأستذكر وصاياه وأخشى أنّني لم أكن حملا لأحدها ، وأخشى تقصيري تجاه مسؤولياتي وانشغالي بأمور الدّنيا ، أتذكر الكثير الذي يغمر كياني بصدق دون كذب ونفاق ، فهنا أشعر بأنني في موقف لحساب نفسي حقّ الحساب .

قل لن يصيبنا إلّا ما كتب الله لنا ، عندما أقف عندها أؤمن فقط بأنّ عليّ الأخذ بالأسباب ومن ثمّ انتظار الخير من هازم الأحزاب سريع الحساب ، الحكيم بحكمته ، فلا بدّ من فائدة ممّا أنا فيه ، ولعلّي لمستها بعد التفكّر والتّدبير ، مفادها كن دائما على طريق مستقيم تنعم بسعادة وراحة .

لا تنظر للخلف واجعلها البداية ، ولا تنتظر إلى الغد لعلّها تكون النّهاية ، وابدأ من الآن فهو حقّا قريب ، ولا تخشى في قول الحقّ لومة لائم ، فيكيفك أن يكون معك علّام الغيوب ، الذّي إن قال لشيء كن فيكون ، وإن أراد شيئا جعله بائن معلوم .

عرفت أهلي أحبابي وعرفت أيضا أصدقائي ، فعندما يهرعون للسؤال عنّي ، فإنّ ذلك بالنسبة لي مكسب وغنيمة ، ومن غفل عن ذلك فله العذر في قلبي وعقلي ولا بدّ من أن ظروفه حالت دون ذلك ، فلن يظفر المرء في النّهاية إلّا بأعماله ، ولن يبقي له في الدنيا سوى سيرته ، فاحرص على أن تكون ناصعة البياض لا يشوبها السّواد .

هذه المرة لا أكتب ما أشعر به فقط ، بل أكتب ما أنا فيه ، ولا أكتب ما أراه صوابا بعواطفي ، ولكن أكتب ما هو صواب بقناعتي ، دعاؤكم لي في ظهر الغيب يكفيني ، ومراجعتكم لأنفسكم وتحكيمكم لضمائركم ورجوعكم عن أخطائكم يغنيني ، تفكّروا وتدبروا فإنّها فانية ، وتأكدوا أنّها حسُنت الباقية .