ارتباك الإخوان أخاف الأردنيين


هل النظام الأردني هو دار حرب يجب الخروج عليه لإقامة حكم ديني؟
تلقت قيادة جماعة الإخوان المسلمين صدمة قوية يوم الجمعة الماضي عندما لم يلب دعوتها لاعتصام "جمعة الشرعية الشعبية" أكثر من ألفي شخص بمن فيهم المتفرجون ورجال الأمن.
القيادة ضغطت على قواعدها من أجل خروج كبير، وأصدرت تعميما ذكّرت فيه منتسبيها بالبيعة التي في أعناقهم، وفرضت عليهم " المشاركة الفعالة في المسيرة الكبرى على أن تكون الفعالية أقوى من فعالية 5/10 ولتكون بمثابة رسالة قوية لأصحاب القرار ليعودوا إلى رشدهم"، لكن الناس عرفوا الحقيقة وحجمها وإمكاناتها.
لم يعد لدى قيادة الجماعة شيء تخفيه فهي وحدها في الشارع اليوم بعد انفضاض الأحزاب والقوى السياسية والشعبية من حولها، والجمهور الأردني استنكف عن تلبية دعواتها، وهذا دليل على وجود مشكلة كبيرة داخل الجماعة "لا علاقة لها بالدسائس والمؤامرات"، وهناك مشكلة بنيوية وصراع هوية داخل الحركة ضاعت بين الأطراف داخل الجماعة، فالإخوان لم يعودوا يشبهون أنفسهم بعد أن أخذتهم الأحداث المتسارعة إلى أماكن غير آمنة.
المراقب العام للجماعة الدكتور همام سعيد طالب بحكومة برلمانية يختارها الشعب، وطالب بالإصلاح ومحاربة الفاسدين، وهذا برنامج لا يختلف عليه الأردنيون بل يدعمونه بمشاربهم السياسية والاقتصادية كافة، لكن المراقب عندما يدعو ويتوعد بـ "الثورة القادمة... وبالدولة الدينية " فالقضية أصبحت خطرة وبحاجة إلى توقف ومراجعة لأن الأمر خرج عن المألوف، فالثورة على مَن ؟ ومن يؤازرها؟ وهل تجارب "الإخوان" في الإقليم تشجع عليها ؟ إضافة إلى أن هذا الخطاب جديد على تاريخ الجماعة التي تطالب منذ أكثر من سنتين بدولة مدنية ديمقراطية، فماذا جرى، ولماذا يخالف "الإخوان" برنامجهم المعلن؟
والأخطر في ما وصلت إليه قيادة الجماعة الأردنية في إعلانها تبني خيار الدولة الدينية، وهو خيار تجاوزه النظام الإخواني في مصر الذي يقوم على حكم المرشد العام، وها هو رئيس جمهورية مصر العربية محمد مرسي يعلن صراحة ومن دون مواربة بأنه مادام في الحكم فلن تقام دولة دينية في مصر، بل دولة مدنية ديمقراطية دولة المواطنة والقانون، فلا خير في دولة دينية أو مدنية إن لم تكن عادلة.
ولا بد لقيادة الإخوان في الأردن أن تجيب عن أسئلة ملحة، فهل النظام في الأردن هو دار حرب يجب الخروج عليه لإقامة حكم ديني؟ هل شكل الدولة الدينية المطروح متفق عليه ؟هل هناك نموذج موحد؟ هل الدولة في الإسلام من صنع البشر أم من الوحي ؟ هل تلبي الدولة الدينية طموح الجماهير اليوم ؟ إن الدكتاتورية سيئة وغير مقبولة ولا تتناسب مع روح العصر إن كانت تلك الدكتاتورية بذقن أم حليقة، وإظهار التدين ليس رخصة لقيادة الناس سياسيا.
الخطاب الإخواني يوم الجمعة أظهر ضعف أداء الجماعة وارتباكها وزاد من مخاوف الأردنيين، فرغم كل الأخطاء والخطايا والفساد والإفساد التي ارتكبتها الحكومات المتعاقبة، فإن ذلك لا يبرر التهديد بالثورة وقلب النظام لأن لا أحد من الأردنيين تنطلي عليه حيلة بعضهم في تسويق الديمقراطية المغلفة بالعنف والتسلط، فالنظام مهما كان سيئا فإنه أفضل من اللانظام والفوضى، والتجارب حولنا كثيرة وساطعة، ومن غير الحصافة استبدال تسلط حكومة بتسلط حزب أو فكرة.
القضية في الأردن واضحة، وبوصلتنا محددة الاتجاه، فمطالب الأردنيين تنحصر في إنهاء الفساد وإجراء الإصلاح الحقيقي الذي ينشلهم من الإقصاء والتهميش السياسي والاقتصادي والاجتماعي ويسير بنا نحو دولة ديمقراطية حقيقية يعرف كل طرف دوره ويحفظ حقوق الآخرين ولا يتسلط عليهم ويصادر أدوارهم.
وعلى "الإخوان" في الأردن أن يتعظوا من تجربة "إخوانهم" في مصر، فبعد انتقال "الإخوان" هناك من المعارضة إلى الحكم فقد أصبحوا هم السلطة الحاكمة لا بل إنهم سلطة موظفة لدى الدولة المصرية، وأصبحوا جزءا من جهازها البيروقراطي، لذا اصطدموا سريعا بالجماهير التوّاقة للحرية والعدالة والخبز.
ومع ذلك نقول إن التعامل مع "الإخوان" وخطابهم الجديد والمخيف لا يجوز أن يكون إلا بمزيد من الحوار والإصلاح والديمقراطية ومحاربة الفساد وإرساء نموذج للحكم الصالح والعادل في دولة القانون.