النزاهة قبل المشاركة

لو سألت مئة من الناخبين الذين أدلوا بأصواتهم في انتخابات 2007 عن نسبة المشاركة العامة في تلك الدورة، فلن تجد الجواب الصحيح عند غالبيتهم الساحقة. لكن لو استفسرت عن رأيهم في نزاهة الانتخابات، لقالوا جميعا إنها كانت انتخابات مزورة.الركن الأول في العملية الانتخابية هو تمكين الناخبين من ممارسة إرادتهم الحرة باختيار من يمثلهم. في دورات انتخابية سابقة، كان التدخل الرسمي في الانتخابات تزويرا لإرادة الناخبين، واعتداء على حق أساسي كفله الدستور. ولا يختلف هذا الشكل من التزوير عن سعي مرشحين إلى اختطاف إرادة الناخبين عبر شراء أصواتهم.قبل انطلاق الحملات الانتخابية، كان الاعتقاد أن التحدي الرئيس الذي يواجه الانتخابات هو نسبة المشاركة، في ظل حالة العزوف التي تنامت بعد قرارات رفع الأسعار، ومقاطعة قوى حزبية ووطنية وازنة للعملية الانتخابية. لكن ما إن بدأت العجلة تدور، حتى اكتشفنا أن الأولوية ينبغي أن تكون صون نزاهة الانتخابات، قبل الحديث عن نسب المشاركة.لم تنهر الثقة بالبرلمانات السابقة بسبب تدني نسبة المشاركة، بل لكونها مجالس مزورة في نظر المواطنين. في انتخابات 1989، لم تتجاوز نسبة الاقتراع في الدوائر الكبرى النسب المسجلة في دورات انتخابية لاحقة، ومع ذلك ظل المجلس الحادي عشر أنموذجا مقارنة مع المجالس التي تلته.وفي الديمقراطيات العريقة، تتذبذب نسب الاقتراع تبعا للظروف السياسية والاقتصادية. وفي أحيان كثيرة، لا تتجاوز نسبة التصويت الخمسين بالمئة في دول مثل إيطاليا والبرتغال وإسبانيا، ومع ذلك لا تجد من يشكك في شرعية البرلمانات في تلك الدول.أسوق هذه الأمثلة للتأكيد على أن الإجراءات الحاسمة والصارمة المتخذة ضد ظاهرة المال السياسي في الانتخابات الحالية، هي الكفيلة بإنقاذ سمعة الانتخابات والمجالس النيابية التي تدهورت في السابق؛ وهي التي تجعل من نسبة المشاركة مهما جاءت منخفضة أمرا ثانويا مقابل ميزة النزاهة التي يتمتع بها المجلس المنتخب. لا بل هناك من يرجح أن يكون للحملة التي تشنها الهيئة المستقلة للانتخاب على ظاهرة شراء الأصوات انعكاس إيجابي على نسبة المشاركة في الانتخابات، وقد تحسم أصوات مترددة موقفها لصالح المشاركة بعدما لمست، بالدليل القاطع، الجدية في محاربة المال السياسي.في الانتخابات الحالية، وبسبب مقاطعة أطياف وتيارات سياسية، فإن نسبة المشاركة مهما ارتفعت لن تحدث فرقا جوهريا في نوعية النواب الجدد. والمرجح أنها ستكون أصواتا إضافية لقوائم ومرشحين تورطوا في عمليات شراء الأصوات؛ بمعنى آخر: مشاركة مدفوعة الثمن على حساب نزاهة الانتخابات.لا أحد يقلل من أهمية المشاركة في الانتخابات. لكن، ما جدوى نسب التصويت إذا فقدت الانتخابات ركنها الأول؛ النزاهة؟!